القصص في اللغة هو تتبع الأثر لمعرفة المكان الذي نزل به أصحابه أو سلكوه. ومن هنا قيل للحكاية عن القوم إنها قصة، لأن من يحكي عنهم يتتبع أثرهم ليعرف خبرهم، فهو يقص سيرتهم في الزمان، كما تقص السير في المواقع والجهات.

وقد وردت الكلمة في القرآن الكريم بالمعنيين في سورة واحدة. فجاء في سورة الكهف «فارتدا على آثارهما قصصا» بمعنى تتبع الأثر لمعرفة الطريق، وجاء فيها: «نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى» بمعنى تتبع الخبر في التاريخ.

ولكن كلمة القصص في القرآن الكريم تنصرف على عمومها إلى معنى الهداية إلى الأخبار والآثار الباقية من سير القرون الغابرة، وهي تساق في الكتاب لمقاصد كثيرة تجمعها كلها هذه المقاطع الثلاثة:

فهي تساق للعبرة والموعظة، أو تساق للقدوة وتثبيت العزيمة، أو تساق للتعليم والهداية.

وتتلى قصص العبرة والموعظة في القرآن الكريم لتذكير الأحياء بمصائر الغابرين من الأمم الأولى، وكانت توصف بأنها أساطير الأولين من الكلام المسطور أي المكتوب، وقد تكون الكلمة إحدى الألفاظ التي تعربت عن اليونانية، لأن «الإستوريا» عندهم بمعنى الخبر المسجل أو المعروف، ولا يبعد أن يكون اليونان قد أخذوها عن العرب لأنهم أخذوا الكتابة عن الأمم السامية وسبقهم عرب الشمال وعرب الجنوب إلى رسم الحروف، ولا تزال أسماء «الألفا والبيتا والجاما» «عندهم منقولة من الألف والباء والجيم، بل يرجح أن كلمة «كلموس» اليونانية أي «القلم» منقولة عن العربية، لأن القلامة أصيلة فيها، ومن مادتها «القصم والقضم والقطم والقحم والقرم» وكلها تفيد القطع كما يفيده التقليم، وكذلك السطر والشطر بمعنى الخط أو القط في العربية، يقال سطره وشطره وخطه وقطه بمعنى واحد، فليس من البعيد أن تنتقل هذه الكلمات مصاحبة للكتابة التي لا شك في انتقالها من الأمم السامية إلى اليونان.

وقد ترددت في القرآن الكريم أخبار الأولين على سبيل العبرة والموعظة، وكان مدارها جميعا على تحذير الأمم الباقية من اغترار بالمتعة والمنعة كما اغترت بها الأمم الخالية، وكانت هذه العظات ألزم العبر لتلك الأمم التي آمنت بالأوثان والأرباب ولم تؤمن بالوحدانية، فإنها إذا علمت أن أربابها لا تحميها من الكوارث، ولا تقدر على إصابتها بها، ذهب إيمانها بتلك الأرباب، ووجب عليها أن تبحث عن قوة إلهية تملك القدرة التي عجزت عنها معبوداتها.

وفي القرآن غير القصص التي تدعو إلى العبرة بمصير الكافرين أنباء تروى عن الأنبياء الذين أرسلوا إلى الأمم الغابرة، فكذبتهم وتنكرت لهم، ثم ظهرت دعوتهم وحاقت النقمة بمن كذبوهم وأنكروهم وبقيت قدوتهم لينتفع بها من يعمل عملهم، ويقفو أثرهم، ويلقي من قومه مثل ما كانوا يلقونه من أقوامهم... «وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك» كما جاء في سورة هود.

وهذه على الجملة حكمة القصص التي جاءت في الكتاب عن جهاد الرسل وعاقبة الصبر على الدعوة، تثبيتا للأفئدة وتبشيرا للدعاة والمصلحين بعاقبة الصبر على الجهاد.

ومن قصص التعليم والهداية في القرآن قصة موسى والخضر عليهما السلام، يرى بعض المفسرين أنها درس لأصحاب الشرائع يفرقون به بين شريعة الظاهر وشريعة الباطن كأنهما على اختلاف، كما اعتقد أناس من القائلين بالأسرار والإشارات الخفية.

ويروي الثقات أن القصة درس لأصحاب الشرائع حقا ولكنهم يفهمون من هذا الدرس أن سعة العلم من شروط القضاء بين الناس، وأن العدل منوط بمقدار ما يعلمه الحاكم من شؤونهم وحقائق أحوالهم وأسباب مصالحهم، فلا يتساوى في العدل قاض يعرف تلك الأحوال على حقائقها وآخر ينظر فيها بما يبدو له من ظاهرها، وذلك درس لا غنى عنه لمن يقضي بشريعة من الشرائع تجري على قسطاس واحد ولا يختلف فيها ظاهر وباطن، كما يعتقد القائلون بالأسرار والإشارات الخفية، فلا حاجة بالقاضي العادل إلى غير العلم بحقيقة القضية التي بين يديه، ثم لا يختلف فيها بعد ذلك قولان.

ومن الواجب أن نذكر أن قصص القرآن جميعا تساق للموعظة والتعليم وحسن القدوة، وأنها تأخذ من التاريخ ما فيه الغنى لكل سياق أو مقصد يعنى به الدين. فليس المقصود بها تفصيل التواريخ ولا تسجيل الوقائع والسنين، وليست حكمتها موقوفة على شيء غير ما فيه الكفاية لهذه المقاصد كما يفهمها الناس.