نفى أستاذ الفيزياء الإشعاعية في كلية العلوم بجامعة الملك فيصل، الدكتور فؤاد الغربي، تجاوز مياه الآبار الجوفية في واحة الأحساء الزراعية الحد الطبيعي والمقبول من الإشعاع، وذلك استنادا إلى بحوث علمية متخصصة أكدت احتواء هذه المياه على إشعاع طبيعي منخفض بما يكفي، بحيث تعد بحسب المعايير الدولية نقية ونظيفة تماما من التلوث الإشعاعي.

وكانت أحاديث كثيرة دارت عن تلوث مياه الآبار الجوفية في 5 مناطق في المملكة إشعاعيا، من بينها القصيم وتبوك والأحساء.

التسميد المفرط


شدد الغربي على أن نقاء المياه الجوفية من الناحية الإشعاعية في الواحة، إضافة إلى الأهمية الطبيعية والبيئية والجمالية والبيولوجية للواحة محليا وعالميا، يدعو ويشجع على دعم المحافظة البيئية على هذه الواحة من المضار الزراعية والتسميد المفرط، ومن ناحية توزيع مياه الزراعة، لأن كل ذلك يمكن أن يرفع مستوى الإشعاع الطبيعي لمياه الآبار، وبالتالي من الضروري توفير المراقبة الإشعاعية ليس فقط لمياه الشرب المتأتية من الآبار الجوفية، بل وكذلك للمياه المتأتية من صناعة تحلية مياه البحر والمياه المستوردة كذلك.

المعايير الدولية

أبان الغربي أن في المملكة آبار مياه جوفية كثيرة جدا، وتمثل أحد أبرز مصادر مياه الشرب، ولا بد أن تكون هناك آبار تحتوي على مياه جوفية عالية الإشعاع الطبيعي، وعدد من الأوراق العلمية المحكمة التي تعرض بحوثا حول النشاط الإشعاعي الطبيعي في آبار مياه الشرب بالمملكة، تشير إلى تجاوز معيار الجرعة الفردي لهذه المياه للحد 0.1 مليسيفرت، وهذا أمر عادي، ويحدث في كل بلاد العالم في الحقيقة، مؤكداً أن الجهات المتخصصة في الرقابة الإشعاعية بالمملكة، والجهات الرقابية الأخرى المؤهلة لمتابعة ومراقبة هذه المياه وحماية المواطنين من إمكانية التضرر منها من الناحية الإشعاعية دائبة على المراقبة والمعالجة بحسب المعايير الدولية والمحلية للوقاية الإشعاعية في هذا المجال.

الصخور الجرانيتية والفوسفاتية

بين الغربي، أن تلوث مياه الشرب بالإشعاع الطبيعي يأتي من سيلان مياه الآبار الجوفية على الصخور في جوف الأرض لمدة طويلة جدا، لذلك تذوب فيها كميات من عناصر السلاسل الطبيعية المشعة الموجودة طبيعيا في الصخور قبل أن يستخرجها الإنسان ويشربها، موضحا أن كثافة العناصر المشعة المكونة للسلاسل المشعة تختلف بحسب أنواع الصخور، بسبب التفاعلات الكيميائية المختلفة، إذ إن الصخور الجرانيتية والصخور الفوسفاتية تعرف عادة بارتفاع كثافة اليورانيوم فيها، لذلك إذا كانت المياه الجوفية مستخرجة من بيئة صخرية جرانيتية فإنه من المنتظر أن تكون نسبة اليورانيوم فيها عالية، علاوة على ذلك فإن العملية الصناعية التي يتعرض إليها الماء من معالجات فيزيائية أو كيميائية من شأنها أن تؤثر في تركيز العناصر المشعة الطبيعية فيه سواء بالرفع أو الخفض.

التحاليل الإشعاعية

أضاف الغربي أن منظمة الصحة العالمية، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، ينظمان ويطوران أسس ومناهج الوقاية الإشعاعية، التي تهدف إلى مراقبة وخفض مستوى تلوث ماء الشرب الطبيعي من الإشعاع، وتتبع دول العالم هذه المناهج لوقاية مواطنيها من خلال التنسيق مع المنظمات العالمية، وكذلك التنسيق مع الهيئة العربية للطاقة الذرية والدول العربية لرفع قدرة وخبرة الدول العربية في مجال الوقاية الإشعاعية، لافتا إلى أن مراقبة مياه الشرب إشعاعيا تعتمد على قياسات النشاط «بيتا الكلي» والنشاط «ألفا الكلي» الموجود في المياه ومقارنتها بمستويات فرز (Screening levels) محددة، إذا تجاوزتها وجب التقدم في التحاليل الإشعاعية للماء، وإذا بقيت الجرعة في حالة تجاوز لأعلى مستوى فرز مسموح، وجب فحص ثبات ارتفاع الجرعة زمنيا «إعادة قياس الإشعاع في عينات أخرى من نفس المياه بعد شهر»، وإن بقيت في نفس مستوى الارتفاع السابق، وجب فحص وقياس كثافة كل عنصر مشع لوحده، وعندها يتم تحديد العناصر المشعة المسؤولة عن تجاوز مستوى الفرز، ويتم حساب معيار الجرعة الفردي IDC فإن تجاوز 0.1 مليسيفرت، وهي قيمة الجرعة الإشعاعية الفعالة التي يتعرض لها شخص يشرب هذا الماء يوميا خلال سنة كاملة، فيجب البحث في أسباب تجاوز هذه القيمة للجرعة ومحاولة تخفيضها بمراجعة العملية الصناعية لإنتاج المياه وتقليل استعمال هذه المياه بقدر المستطاع إلى أن يتم تخفيض معيار الجرعة الفردي إلى دون 1 مليسيفرت.

اليورانيوم والثوريوم

أوضح الغربي أن الإشعاع الناتج من الصخور والتربة، وسببه سلاسل اليورانيوم والثوريوم الموجودة في الصخور، ينتج عنها تسرب غاز الرادون المشع في الغلاف الجوي، وهو يمثل 45% من نسبة تعرض الناس للإشعاع الطبيعي، لذا يفضل فتح الشبابيك في البيت للتهوية للحماية من غاز الرادون، والتغيير من حين لآخر من نوع الماء الذي يشربه الإنسان، وهناك الإشعاع الصناعي الناتج من مواد مشعة كالتصوير الإشعاعي المستعملة في الطب النووي ومجال الطاقة النووية وما يتبعها من تكنولوجيات صنع وتشغيل المفاعلات النووية، مشيراً إلى أن من بين أضرار الإشعاع تتمثل في تداعيات تأيين الماء داخل الخلية بسبب التعرض للإشعاع، والتأثير في التركيبة الكيميائية للحمض النووي المكون للخلية، بحيث يمكن قتلها تماما إذا كانت الجرعة الإشعاعية عالية كثيرا أو إحداث كسور غير قابلة للإصلاح تلقائيا في بنية الحمض النووي مما قد يسبب السرطان.

استخراج المعادن

لمح الغربي إلى أنه في كل منطقة على سطح الأرض، توجد خلفية إشعاعية مرتبطة بطبيعة المنطقة من حيث أنواع الصخور فيها والمياه والارتفاع وغيرها من التفاصيل الجغرافية والجيولوجية للمنطقة، والمشكلة يمكن حدوثها عند تدخل الإنسان في البيئة من أجل ممارسة عملية صناعية ما، مثل استخراج مياه الشرب من الآبار الجوفية أو استخراج المعادن أو مواد البناء أو استخراج النفط أو صناعة الفوسفات وتكريره وغيره من الصناعات المعتمدة على مواد أولية مأخوذة من الطبيعة، ويمكن أن تتسبب العملية الصناعية المعتمدة على تكرير أو معالجة المادة الأولية، بحيث يتم فصلها إلى منتج وفضلات صناعية، في رفع تركيز عناصر مشعة طبيعية معينة من سلاسل الثوريوم واليورانيوم في المنتج أو الفضلات أو كليهما، ومن شأن ذلك أن يلوث البيئة والغذاء ويعرض الناس لمخاطر الإشعاع إذا لم تطبق معايير مناسبة للوقاية الإشعاعية.

مصادر تلوث الآبار الجوفية

1ـ تلوث صناعي:

ناجم عن أنشطة الإنسان، مثل استخدام الأسمدة والمبيدات، ومخلفات النشاط الصناعي.

2ـ تلوث طبيعي:

ناجم عن انحلال مكونات العناصر الفلزية في الصخور