لقاء ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان، الأسبوع الماضي، في الإعلام للتحدث عن الرؤية كان حدثًا فريدًا ومميزًا، وأحدث صدى إقليميًا ودوليًا، والجميع شددوا على أهمية حديث سموه وأيضًا أعجبوا جدًا بالنهج الذي رسمه الأمير محمد في لقاءاته، وهو نهج التكلم بالأرقام والحقائق والواقعية، لذلك الكثير أصبح ينتظر لقاءات ولي العهد سواء على المستوى المحلي أو الدولي لأنه يتكلم اللغة العالمية التي يستطيع الجميع فهمها بغض النظر عن خلفياتهم أو لغاتهم وهي لغة الأرقام ولغة الواثق والتي لا تحتمل التفسيرات، وكما يقول المثل الإنجليزي (الأرقام لا تكذب)، سأبدأ حديثي عن جزئية مهمة في كلام ولي العهد ومن ثم سأناقش عدة نقاط أخرى، خصوصا أن حديث سموه يحتاج لمساحات كبرى لتغطيته وربما عدة مقالات لا تكفي حتى.

منذ سنوات ونحن نكتب مقالات وقلنا أكثر من مرة «لدي قناعة كتبتها عدة مرات أنه حوالي 7 من كل 10 مسؤولين يحتاجون للتجديد والتغيير حتى يلحقوا ويكونوا على قدر تطلعات رؤية ولي العهد الميمونة»، كان البعض يهاجمنا ويقول هذه مبالغة كيف يمكن لك أن تقول إن الغالبية من المسؤولين لا يملكون الكفاءة، بل كان البعض يقول لي لا نعرف كيف الوطن تنشر مثل هذا! رغم أن هذا وجهة نظري الشخصية، لكن كانت جزئية 70%من المسؤولين غير أكفاء تسبب حساسية زائدة لدى البعض من النخب، وأنا هنا طبعا لا أتكلم عن بعض المجموعات من الإخوة من العامة الذين هاجموا ذلك، لأن هناك ربما مجموعة من المتحمسين ولا يستطيعون استيعاب كيف كان سوء وضع بعض المسؤولين، وربما مجموعة أخرى للأسف تأثر عقله الباطن ربما دون أن يدري بالصحوة وترسباتها فأصبح لا إراديا يختار الآراء الأكثر تشددا في كل شيء ويبتعد عن الواقعية ويهاجم كل رأي مختلف عنه، خصوصا إذا كان رأي يقول إن غالبية مسؤولي الدولة لم يكونوا أكفاء، ويعتبر دفاعه كأنه جزء من الوطنية، وأيضا لا أتكلم عن مجموعة أخرى تحاول التعويض عن التحاقها بالصحوة وبعض التيارات الأخرى سابقًا، فتحاول أن تعوض وتثبت وطنيتها بالهجوم على كل ما تعتقد أنه يخالف السائد، وأيضا أنا لا أتكلم عن مجموعة المتملقين الذين يطبلون ليل نهار أو مجموعة الباذنجانيين الذين يغيرون آراءهم خلال لحظات على حسب التيار السائد وحسب رضا المسؤول، ومن لا يعرف الباذنجانيين فليبحث عن قصة مدح وذم الباذنجان بنفس الوقت لإرضاء المسؤول، وهؤلاء أصلا ليس لهم رأي حتى نعتد بهم، وربما تلفون واحد أو رسالة واحدة ممكن أن يغير رأيه في اليوم عدة مرات، كل هؤلاء المجموعات لست أخاطبهم لأن لديهم مشاكلهم الخاصة في النقد، لكن من عنيته هم بعض الزملاء الأكارم الذين كانوا يعتقدون أننا نبالغ جدا عندما كنا نكتب 70%من المسؤولين يحتاجون تغييرا ! وكنا نقول يا جماعة الخير، أنتم داخل المعمعة اليومية وربما لا ترون الصورة بوضوح وبزاوية أوسع ربما نحن نأتي زيارات من الخارج ونقابل بعض المسؤولين فليس لدينا أحكام مسبقة عنهم وهذا غير أننا نتعامل ونعرف مستوى المسؤولين الدوليين من خلال التعامل الدوري معهم؛ لذلك نقارن ونعطي تقييما أكثر موضوعية، وعمليا ومنطقيا عندما تريد تقييم موضوع لأمر ما أو شخص فإنك من الأفضل أن تذهب لمقيم خارجي أو ليس له علاقة مباشرة وتكون الأحكام عادة أكثر موثوقية، كنا نقابل بعض المسؤولين ونخضهم مثل (صميل اللبن) من أجل معرفة نوعية زبدتهم، يبدأ الموضوع بلقاء ومن ثم مجاملات ومن ثم إرسال رسائل مبطنة لجس النبض، ومن ثم تكتيكات الحديث ورؤية رد الفعل وتغيير المواضيع لرؤية الموضوع الأنسب والذي يثير الحماس واستنباط وجهات النظر، ثم تتفاجأ أن البعض من المسؤولين ليس فقط لم يفهم الرسائل أو التكتيكات في الحديث بل لا يملك حتى أبجديات النقاش، ولم يفهم ما يدور حوله لدرجة أنك تريد إنهاء اللقاء بأسرع وقت لأنك تتكلم لغة لا يجيدها أبدًا وتسأل نفسك يا رجل هذا كيف وصل لهذا المنصب !، لم يكن بعض الزملاء يقتنع، إلا أن جاء حديث سمو ولي العهد وقال النسبة بكل شفافية إنها حوالي 80%من المسؤولين الكبار لم يكونوا أكفاء ! والشكر من الأعماق لولي العهد لشفافيته وإنصافه لنا، بعض الأحيان تكون الآراء غير السائدة صادمة وغير مستساغة في الإعلام، خصوصا بعض آراء الفقير لله كاتب المقال، لكن أعتقد أنه من الصحي أن توجد آراء ووجهات مختلفة وإلا سيصبح الجميع يردد على نفس المنوال، ويصبح الإعلام لدينا -كما وصفه أستاذنا عثمان الصيني- ماءً طهورًا لا لون له ولا طعم ولا رائحة، وأضيف ولا تأثير أيضا !

لفت نظري بعض الأشياء في ردود بعض الإعلاميين على حديث ولي العهد، فحديث ولي العهد كان أشبه بمنصة في وفرة المعلومات المهمة، وممكن أن تكتب عنها وتحللها موضوعيًا واحترافيًا لأسابيع، لكن تفاجأت أن البعض بدأ يغرد تغريدات إنشائية معتادة، نعم من الممكن أن تقبل مِن العامة أن يعبروا بكل مشاعرهم بما يخطر على بالهم مِن حب لكلام ولي العهد، لكن الإعلاميين النخبة تتوقع منهم أفضل من ذلك، بما أنهم قادة رأي فإنك تريد أن تقرأ شيئا مميزا، خصوصا بعد هذه الوجبة الدسمة جدًا من المعلومات والأفكار التي طرحها الأمير محمد، الموضوع ليس مجرد تسجيل دخول وتسجيل واجب وكم تغريدة، لكن الموضوع تريد تعليقات وطروحات فاخرة تخاطب العقل تليق بكلام الأمير، أما التغريدات الإنشائية ليس وقتها، وكما يقول الشاعر

ألم تر أن السيف ينقص قدره

إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

نقطة مهمة أخرى أتمنى من الإعلاميين والمسؤولين في الدولة أن يركزوا عليها، الأمير محمد نهج منهج مدرسة الأرقام والواقعية، فنريد من الوزراء والمسؤولين اتباع ذلك، فبعد المستوى والمعيار العالي الذي وضعه ولي العهد، لا نريد من أي مسؤول أي تصريحات إنشائية أو حشوا بل نريد أرقاما وأهدافا واضحة، وأيضا الإعلاميون نريد منهم أن ينبهوا المسؤولين في تصريحاتهم ومؤتمراتهم الصحفية أن يتمسكوا بمدرسة محمد بن سلمان في التصريحات حتى يستفيد المتابع والمشاهد والمواطن من المعلومة.

هناك شبه إجماع داخلي ودولي على التطور الذي شهدته المملكة خلال 5 سنوات الرؤية في جميع المجالات، لكن ثلاثة مجالات أعتقد أنها نسبيًا كانت أقل من أقرانها وأقل مِن المأمول خصوصا أن الطموح عنان السماء، وأعني السفارات بالخارج والإعلام الخارجي والجامعات، أتمنى تطبيق معادلة 80%؜ على السفارات وتقييم الكوادر وتقييم النتائج والأداء لجميع السفراء والسفارات وموظفيها، من يستحق البقاء يبقى ومن لا يستحق يذهب ولنبدأ بالسفارات الخمس الكبرى !

والإعلام الخارجي مصاب إصابة بالغة ولا يحتاج حتى تقييمًا للأداء لأنه تقريبًا لا يوجد له أداء.

ثالثًا الجامعات، التعليم الجامعي لم يكن سيئًا وخرج الكثيرين ونحن منهم ولكن لم يكن قريبًا من المأمول، ومقارنة بالتطور الذي حدث في بقية قطاعات الدولة، فإنه كان الأبطأ وكان الأقل مواكبة، بعض رؤساء الجامعات نتمنى تطبيق معادلة 80% عليهم، مع الدعم الكبير من الدولة للتعليم توقعنا مخرجات أفضل، لكن بعض الجامعات تدهور ترتيبها الدولي، لذلك ربما آن الأوان للتقييم، وأيضا جلب كفاءات دولية من مديرين تنفيذيين للجامعات السعودية.