على امتداد منطقة جازان يعبر أبناؤها والمارون فيها على عشرات المواقع والمعالم الأثرية في غدوهم ورواحهم، دون أن ينتبهوا إلى أنها أوابد تاريخية ومواقع ذات قيم بالغة الأهمية، وذلك ليس فقط لجهلهم بها، وإنما كذلك لغياب معلوماتها وعدم توثيقها، وهي مسؤولية حملها معنيون لأربع جهات هي السياحة، والأمانة، والبلديات، ومسؤولي المحافظات.

ورأى هؤلاء المهتمون أن أبسط مهام هذه الجهات هو توثيق تلك الأماكن ووضع لوحات إرشادية للتعريف بها وبما تقدمه للآخرين، ومنع العبث بها، والمحافظة على قيمتها المعنوية ودلالاتها التاريخية.

ولعل وجود 100 بئر في المنطقة لم يبق منها سوى بئرين صامدتين، فيما تاهت معالم البقية ولم يتم توثيقها، يكفي وحده للدلالة على مدى الهدر في المعالم التاريخية التي يمكنها أن تقدم إضافات لتاريخ المنطقة.

توثيق غائب

تسببت 6 عوامل في تفاقم جهل الأجيال الحالية المتتالية بالمواقع الأثرية في المنطقة، وخصوصا ممن هم أقل من 40 عاما.

وهذه العوامل تتمثل في:

1ـ غياب توثيق بعض المعالم الأثرية والتاريخية.

2ـ تقاعس الجهات ذات الاختصاص.

3ـ عدم الاهتمام بهذه المواقع.

4ـ رفض بعض المعاصرين ذكر معلوماتها والإفصاح عنها.

5ـ تقادم العمر الافتراضي للمواقع وتجاهلها.

6ـ تطور النطاق العمراني.

وتمتلك محافظات جازان إرثا كبيرا من التاريخ القديم، وهو ما دعا جامعة جازان إلى تشكيل لجنة تتولى مهام توثيقها والدعوة إلى الحفاظ عليها، وتسجيلها في موسوعة خاصة.

وتشهد بعض محافظات جازان إهمالا كبيرا في توثيقها، وإرشاد الأجيال المتعاقبة، ما نتج عنه جهل بالتاريخ، وتغييبه.

رصد ميداني

كشفت «الوطن» في جولة ميدانية لها بمحافظة أبوعريش، عن صمود بئرين من أصل 100 بئر مغلقة، كانت مصدر سقيا للأهالي، قبل طمرها للأبد قبل نحو 60 عاما، ولم يتبق منها سوى بئرين، حيث تحول الأول إلى مكب نفايات بالحي الجنوبي، وتحول الثاني إلى مجلس لأهالي حي السلام، وسط غياب كبير للمعلومات عنهما على أرض الواقع، أو حتى بالأرشيف، إلى جانب إهمال قلعة دار النصر التاريخية، وعدم وجود لوحات إرشادية وتعريفية.

وتتمثل أبرز الآبار التاريخية المغلقة بمحافظة أبوعريش في: البيشي، والحامضة، والمغني، والحجاجي، وبئر السوق القديم، والبئر الجنوبي، والشرقي، والأوسط وغيرها، واختلفت الروايات حول بنائها، ونسبها إلى قبائل الهلاليين الذين سكنوا المنطقة قديما، ويبلغ عمق كل منها نحو 30 مترا، وشيدت بجودة عالية بمقاييس أوقات بنائها.

مكب للنفايات

أكد المواطن محمد حسين لـ«الوطن»، أن البئر الواقعة بالحي الجنوبي، رفض أهالي الحي دفنها، وصمدوا بوجه البلدية، ولم يتمكنوا من دفنها سابقا، مشيرا إلى أنه تحول إلى مكب نفايات، وتشوه بصري، مطالبا بإغلاقها بما يضمن احتفاظها بشكلها والبعد الجمالي الذي توفره.

وبين المواطن يحيى علي لـ«الوطن»، أن البئر التي تتواجد بقرب الجامع البيشي، وضعت لها علامة مجهولة، دون ذكر لاسم البئر، أو لوحة تثقيفية عنها، مضيفا «تعد البئر اليوم مجلسا لشباب الحي، الذين يتواجدون بقربه دائما، وسط جهل تاريخي به، خاصة أنه كان يخدم 3 مواقع، ويزودها بالمياه سابقا»، محملا بعض معاصري تلك الحقبة مسؤولية تغييب المعلومات التاريخية عنها، رغم امتلاكهم لها، ومعاصرتهم لتاريخ البئر.

جلب المياه

بين الباحث والمعاصر محمد باجعفر لـ«الوطن»، أنه كان يتم جلب المياه من تلك الآبار قديما على ظهر الدواب، وذلك باستخدام الجرارات المصنوعة من الفخار، أو صفائح تنك الزيت والسمن الخاشقجي كما يطلق عليه، أو صفائح الحلاوة الطحينية، مشيرا إلى أنه يتم وضعها في الشبوك المصنوعة من خصف النخل، لحملها على ظهر الحمير آنذاك، والذهاب للبئر لاستخراج المياه بالدلو والرشى، وعادة تكفي الأسرة دفرة، أو دفرتين أبو 4 صفائح، أو جرار لليوم الواحد، حسب عدد أفراد الأسرة.

وأضاف «تطور الأمر بعدها بوجود صهريج سعة 30 إلى 50 صفيحة على عربة بعجلتين تجرها الحمير، وتتقاسمها عدة بيوت حسب احتياجها وعددها»، مؤكدا أنه تم بفضل الله ثم بفضل حكومتنا الرشيدة إيصال المياه للمنازل عبر أنابيب مددت في باطن الأرض في عام 1399 هجرية تقريبا، وتم الاستغناء عن الآبار وطمرها بشكل نهائي، ولم يتبق منها سوى آثار مهملة، يجب إعادة تاريخها للأجيال الأخرى، بالتعريف بها، أو تحويلها إلى مجسمات جمالية.

مركز حي

كشف مصدر لـ«الوطن»، أنه سيتم اعتماد مركز الحي قريبا، بعد أن تمت الموافقة عليه مبدئيا، وتشكيل اللجان المخصصة، مشيرا إلى أنه من ضمن أولويات المركز توثيق المواقع التاريخية والتعريف بها، ووضع لوحات إرشادية لها، بالتعاون مع الجهات المختصة، وحفظ التاريخ الغائب للأجيال المتعاقبة.

4 جهات تتحمل مسؤولية غياب التوثيق

1ـ السياحة

2ـ الأمانة

3ـ البلديات

4ـ مسؤولو المحافظات

بوادر تفاؤل

ـ تشكيل لجنة من جامعة جازان لتوثيق المواقع الأثرية

ـ تشكيل مركز للحي سيهتم بالتوثيق