أطلقت جامعة بروكسل (ULB) في بلجيكا، ضمن إصدارتها، المجلد الأول من انطولوجيا «الشعراء العرب السود»، ضمت مختارات من قصائد الشعراء العرب السود، من القرن السادس إلى القرن الثاني عشر الميلادي، ترجمها المستعرب البلجيكي اكسافيز لوفييان، الذي عد الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد شاعره المفضل، مشيدًا بفروسيته وشجاعته، معرجًا على قصة حبه لابنة عمه عبلة، موضحًا قيمة شعر هذه الشريحة من المجتمع العربي كنص أدبي يعبر عن المهمشين وعلاقتهم بالمجتمع بكل ما فيه من تراكمات تاريخية، وحمولات نفسية ضمن أنساق ثقافية، سعى لتفكيكها علميًا.

الفخر بالبشرة

اتكأ المترجم والباحث لوفييان على ابن خلدون وهو يقدم هؤلاء 20 شاعرا وشاعرة، للقارئ الفرنسي والغربي، ذاكرا أن بن خلدون رأى «أنه لطالما كان الشعر هو الفن المفضل لدى العرب، كان الشعر هو أرشيفهم وعلومهم وتاريخهم وحكمتهم». وأشار لوفييان إلى أن عددًا قليلًا من بين الشعراء العرب الذين انتقلت قصائدهم إلى الأجيال القادمة، من ادعى فخره بأصولهم وبشرتهم السوداء، والتي غالبًا ما ترتبط بالعبودية. وأضاف لوفييان «سيجعلك هذا الكتاب تكتشف موافقهم من واقعهم والحياة التي خاضوها، وهي شهادة حقيقية على حالتهم الاجتماعية في الجزيرة العربية»، وذهب لوفييان إلى أنه «في الواقع، كان العالم العربي دائمًا على اتصال بإثيوبيا (الحبشة) أولاً، ثم مع بقية أفريقيا».

المرارة والكبرياء

يقدم الكتاب أبياتًا من نتاج الشعراء المشهورين مثل عنترة بن شداد، الفارس الشجاع قبل الإسلام، الذي أصبح بعد عدة قرون بطلاً لملحمة عظيمة، وشعراء أقل شهرة من عنترة مثل السُّلَيْك التميمي، أحد الشعراء الصعاليك والذي عرف بنسبته إلى أمه «السُّلَكَة» وهي سوداء ورث منها اللون، وهي شاعرة متمكنة وقد رَثته بمرثية حسنة. وهو أحد أشهر الشعراء الصعاليك، ولقب بالرِّئبال والرئبال كما جاء في معجم القاموس المحيط «رِئْبالُ: الأَسَدُ، والذئْبُ، ومن تَلِدُهُ أُمُّهُ وحْدَهُ»، وكأيّ صعلوك آخر، كان فاتكًا عدّاءً يُضرب المثل فيه لسرعة عدوه حتى أنّ الخيل لا تلحقه لسرعته وكان يُضرب فيه المثل فيُقال «أعْدَى من السُّليك»، وله وقائع وأخبار كثيرة ولم يكن يُغير على مُضَر وإنما يُغير على اليمن فإذا لم يُمكنه ذلك أغار على ربيعة. ويُقال أنه كان يأتي لوالدته السُّلكة كل يوم بالطعام فتأخر عليها ذات يوم واستمر انقطاعه عنها مدة ثلاث أيام فعلمت أنه مات من انقطاعه وقامت برثائه في قصيدة جميلة. ويصفه الكتاب بأنه كان يمزج في قصائده بين شعر الحرب وشعر الحب والثناء والسخرية والمرارة والكبرياء والصمود والمقاومة.

السخرية من الذات

بالإضافة إلى عنترة والسليك والشنفرى، حوى الكتاب قصائد لشعراء آخرين منهم، خفاف بن الندبة، سحیم عبد بني الحسحاس، عبدة بن الطبیب، ونصيب الأصغر، أبو دلامة، علي بن جبلة العكوك، سديف بن ميمون، ابراهيم بن المهدي، وغيرهم، لافتًا إلى أن بعض هؤلاء الشعراء الذين لم يترددوا في السخرية من الخلفاء مثل العكوك، سخروا من لون بشرتهم أيضًا على نحو ما فعل أبو دلامة.

إحساسهم الخاص

إضافة لقوة مضمون قصائد معظم هؤلاء الشعراء المحمولة على قيم الاحتجاج والتمرد على النبذ الاجتماعي، أكد المترجم أن للقصائد جمالها الذي لا يمكن إنكاره، ذاكرًا أن هذه القصائد تشكل شهادة حقيقية من الداخل حول الوضع الاجتماعي للسود في المجتمع العربي عبر القرون، كما أن بعض هؤلاء الشعراء كانوا يستجيبون للشعراء الذين يسخرون منهم أحيانًا، ويمدحونهم أحيانًا، من خلال خلق إحساسهم الخاص، والاستعارات الخاصة بهم، وروح الدعابة الخاصة بهم. واختتم كتابه بعض القصائد التي كتبها شعراء غير سود يتناولون السود في شعرهم كأبي نواس والمتنبي وولادة.

إكسافيز لوفييان

أستاذ في جامعة بروكسل الحرة (ULB)

يدرس الأدب واللغة العربية

نشر عدة أبحاث عن الأدب العربي

اشتغل على علم اللهجات العربية من شرق إفريقيا وتشاد

ترجم عشرين كتابًا (روايات، قصص قصيرة، شعر، مسرح) لمؤلفين عرب

كتب

«الربيع العربي والأدب من الخيال إلى الواقع» 2013

-«أبناء عنترة. تمثلات أفريقيا والأفارقة في الأدب العربي المعاصر»2012.

«الدين والأدب العربي المعاصر. بعض وجهات النظر النقدية» 2012.

ترجمات

«شلومو الكردي» لسمير نقاش (2014).