قد نلجأ أحيانا في معالجة مشكلاتنا وتحدياتنا، على اختلافها، إلى حلول مؤقتة، تفرضها الظروف الاقتصادية والموارد المتاحة، أو الحالة الاجتماعية أو الصحية الراهنة لملابسات ألمت بالظاهرة أو الحدث الذي استدعى الأخذ بتلك الحلول المؤقتة. ومن البديهي أن تكون تلك الحلول ليست هي الأفضل أو الأنسب لمعالجة الحالة التي تواجهنا، وإنما كانت هي الممكنة في حينها، وذلك في ظل وجود بعض من الضغوطات أو العوامل التي أوجبت الأخذ بتلك الحلول «المؤقتة»، والتي يفترض أنها تنتهي في أقرب فترة زمنية محددة، بعد أن يتكشف خلالها مكامن المشكلة وأسبابها ومؤثراتها. كما تتضح أركانها الغامضة أحيانا أخرى، لتبرز الحلول الأفضل للمعالجة، وتتبلور الوسائل الأنجح، للحد من التأثيرات السلبية المصاحبة.

لإيجاد حلول صحيحة ومناسبة لمعظم المشكلات التي تواجهنا، نحتاج لدراسات ميدانية ونظرية مناسبة للحالة. كما نحتاج لتوافر بيانات رقمية متتابعة عن واقع المشكلة وتفصيلاتها، لرصد تاريخ تطورها الرقمي والزمني، الذي جعلها تحديا قائما أو مشكلة حقيقية، وبذلك نستطيع تحديد ما يتصل بها من عوامل وظواهر مصاحبة، أدت في مجموعها إلى واقع متفاقم من التعقيد والتشابك في المسؤوليات بين الجهات ذات الصلة.

تبادر وزارة الموارد البشرية ما بين فينة وأخرى - منذ سنوات - إلى طرح برامج ومبادرات مؤسسية، تخفف بها من وطأة الباحثين عن عمل، وتستهدف الحد من مشكلات سوق العمل، في محاولة لإصلاح الخلل في هيكله البشري، المتسم بتناقص مشاركة الموارد البشرية المواطنة فيه، والذي لا يعكس أهداف ورؤية الوطن نحو توطين كثير من الوظائف، ولا يستهدف تطلعات المواطنين نحو تقلد وظائف ومناصب في القطاعات المختلفة، وذلك بعد أن أنفقت الدولة على تعليمهم واهتمت بابتعاثهم، لتوفير كوادر بشرية مواطنة في مختلف التخصصات المطلوبة؛ ليكونوا السواعد والعقول التي يرتكز عليها الوطن بمقدراته.

يستند النظام المؤسسي لوزارة الموارد البشرية في معظم لوائحه وتشريعاته لعقود زمنية مضت، ولمرحلة تنموية ترتبط بظروف وطنية مختلفة، تزامنت مع المراحل الأولى لعملية البناء المؤسسي لقطاعات الدولة في بداية نشأتها، حيث اعتمد، بشكل أساسي، على الاستناد على العمالة الوافدة في عملية الانطلاق والبناء، لتحقيق النمو المستهدف. وعليه، فإن كثيرا من أنظمة ولوائح وزارة الموارد البشرية لا تواكب ما تم إنجازه عبر عقود. كما أنها لم تستدرك ما حصدناه من مكتسبات، تشهد بها مخرجاتنا التعليمية المختلفة المتراكمة، التي أصبحت جاهزة للمشاركة منذ عقود لتتحمل مسؤوليتها الوطنية في عملية البناء والنماء، وتنتظر مكانها في مختلف الفرص الوظيفية المتاحة في سوق العمل، التي ما زالت مشغولة بغير المواطن، بل وإن الفرص المستجدة ما زالت تختطف لغير المواطن، في ظل ارتفاع نسبة العمالة الوافدة في التمركز الوظيفي وإدارة مختلف الفرص المتاحة، وهو ما أسهم في تهميش وجود المواطن بسبب سيطرة غيره على التوظيف، وعدم وجود نظام عمل يحميه في التوظيف والتدريب، وفي مستوى الأجور المناسب.

انطلقت، منذ أيام، مبادرة تنظيم إعانة للباحثين عن عمل من المواطنين وفق شروط وتفصيلات لفترة زمنية محددة، كأحد الحلول المؤقتة التي تطرحها الوزارة، والتي ما تلبث أن تتضح ثغراتها، وعدم جدواها في علاج مشكلة البطالة التي أخذت تتفاقم منذ نحو عشر سنوات، تزامنا مع ارتفاع عدد التأشيرات الصادرة لاستقدام العمالة الوافدة، والمفُسرة لارتفاع نسبة المشتغلين من غير السعوديين في سوق العمل السعودي، وهو ما أسهم بدوره بشكل مباشر في تهميش توظيف المواطن المؤهل، وإضعاف قدرة الوزارة على معالجة الخلل الهيكلي في سوق العمل، علاوة على عرقلة جهودها في التمكن من إنجاح سياسات التوطين المعلنة بسبب سيطرة غير المواطن على فرص التوظيف في مجالات العمل المتاحة في السوق السعودي.

تشير إحصاءات سوق العمل لنحو عشر سنوات، في بياناتها الرقمية ذات الصلة بنسبة المشتغلين في السوق السعودي ومعدل البطالة للسعوديين، إلى أن هناك تصاعدا مستمرا في ارتفاع نسبة المشتغلين من غير المواطنين في سوق العمل، يقابله انخفاض في نسبة مشاركة المواطن، الذي ترتب عليه ارتفاع مستمر في معدل البطالة بين المواطنين، على الرغم من تدفق المخرجات الوطنية من التعليم بمختلف مؤسساته ومستوياته.

سجلت الإحصاءات الوطنية %47.1 لمشاركة المواطنين في سوق العمل في 2009، لتنخفض إلى %41.7 في 2011، ثم %42.8 في 2016، لتنحدر بقوة إلى %23.2 في 2017، وأخيرا %24.4 في نهاية 2020. أما معدل البطالة بين المواطنين، بعد أن سجل %10.5 في 2009، فإنه تراوح ما بين 11 و%12 لسنوات، حتى سجل في 2020 معدل %13.6، وذلك في ظل ارتفاع تأشيرات العمل الصادرة من وزارة الموارد البشرية لاستقدام العمالة إلى 328.999 ألف تأشيرة في نهاية 2020، والتي استحوذ فيها القطاع الخاص - المستهدف في التوظيف - على 200.861 ألف تأشيرة من جملة التأشيرات الصادرة!.

لا شك أن البيانات تترجم أسباب الخلل في المكون الهيكلي للموارد البشرية الوطنية في سوق العمل؛ والأرقام تؤكد أن هناك ضعفا في سياسات ضبط سوق العمل للصالح الوطني، وتضاربا في السياسات، وتعارضا في الأهداف المؤسسية نفسها، وفيما بينها وبين أهدافنا الإستراتيجية نحو الاستفادة من مواردنا البشرية في تحقيق أهدافنا التنموية، ومعالجة ما نواجه من تحديات، الذي يؤدي بدوره إلى تعطيل إمكانية تحقيقنا التنمية المستدامة المستهدفة، ويحد من استثمارها في بناء اقتصادنا الوطني وتعزيز التنمية الاجتماعية الشاملة.