من أهم الأمور فى الحياة السعي دائما، ذهنيا وجسديا، خاصة فى زمن الرخاء الذي نعيشه اليوم، وأيضا فى الوسط الثقافي الذي ثقل فكره أمام المكاتب والكتب، ولا سيما أن القراءة والمعرفة مهمة، ولكن أيضا بتطبيقها تعم الفائدة بشكل أكبر، خاصة فى مثل هذه الأوقات التي يمر بها الفكر العربي.

يجتمع البشر فى المكان نفسه، وهي الحياة، ويمتلكون الجسد والروح والاحتياجات الأساسية أنفسها، ولكنهم يختلفون حسب البيئة واستخدام الوسائل المتاحة أمامهم.

القوة هي أساس البقاء على قيد الحياة، ومفهوم القوة يختلف من زمن لآخر، فالقوة قبل آلاف السنين تعني قدرة الشخص على البقاء عمر أطول أمام الحيوانات المفترسة والصراعات وصعوبة الحياة، والبحث عن الموارد الأساسية، للبقاء فترة أطول. أما اليوم، فالقوة أصبحت قدرة الفرد على استخدام الوسائل المتاحة فى تحقيق الغايات والأهداف التي تفيد الفرد والمجتمع.

ومن أهم هذه الوسائل العلم والمعرفة، ولكن أيضا تطبيق هذه المعرفة من أهم وسائل التعلم. الكتب كمصدر للمعرفة، فى أغلب الأوقات، مختلفة عن محتوى الموضوع كممارسة، لأنك فى إطار الممارسة سيتخذ الموضوع اتجاهات كثيرة، أولها نفسك، حيث ستعرف فى أرض الواقع قدرتك على التواصل الاجتماعي، وفهمك للبشر ورغباتهم وسلوكياتهم، وقد سمعنا الكثير عن قصص الأغنياء الذين لم يحصلوا على أي تعليم أكاديمي، بل كانت الحياة لهم أكبر معلم، وبعض الأحيان تعليم الحياة يفوق التعليم الأكاديمي.

وكتعبير مجازي استخدمته فى هذا المقال، وهو «المطبخ»، يمكننا تشبيه ساحة الحياة بالمطبخ، فعند دخولك المطبخ يجب أن تكون مستعدا للهدف، وهو الشكل النهائي للطبخة، والأدوات التي ستستخدمها.

إن محاولة تعلم الطبخ عن طريق الكتب، ومطالعة صور الأكلات شيء جيد، لكن طريقة مسك السكين، وفهمك حرارة ودرجات النار والمقادير، وحجم الطبخة، وسرعتك فى أدائها، يحتاج للوقوف فى المطبخ وصبر بعيدا عن كتاب الطبخ.

يمكن للمقادير أن تخطئ بعض الشيء، وممكن للسكين أن تجرحك، وممكن للنار أن تلسعك، لكن فالنهاية ستكون هناك نتيجة، وكلما تكررت المحاولة يكون فهم الأخطاء أكثر، ومحاولة تصحيحها فى المرة القادمة، لتكون أفضل.

ففى المطبخ غالبا سنكتشف أشياء كثيرة، أولها أن الطبخة التي فى الصورة لا تطابق الحقيقة بأي شكل من الأشكال، الصورة مجرد ديكور وفوتوشوب.

ومن هنا تبدأ أول صدمة فى المطبخ، وتتساءل: هل خدعني الكتاب؟!، نعم خدعك لأسباب المبيعات والتأثير النفسي للقارئ، ولكنك لست ضحية، لأنك فهمت الواقع، ومن خلال فهمك الواقع يمكنك أن تبدع عبر فهمك أخطاء الآخرين.

فى «مطبخ الحياة» ليس هناك ضحايا، كل إنسان مسؤول عن أهدافه ووسائله، كل إنسان مسؤول عن عقله وصحته ونقاء روحه، وإن كان الزمن يقسي علينا، فالخطب فينا وليس فى الزمن، المطبخ ساحة للإبداع وليس للتعلق والوقوع فى غرامه، اطبخ ما تريد وضعه وارحل، وتأكد أن العظماء تركوا أشياء كبيرة ذات قيمة، أو بلغة الطعام يمكننا القول ذات قيمة غذائية عالية.

إذا أردت أن تصنع شيئا ذا قيمة يجب أن تجهز نفسك لإعداد الطبق الكبير، الذي سيأخذ منك وقتا وتعلما وانضباطا. دائما أحب التشبيه بالمطبخ، لأن الطبخ مثل السحر، مساحة ومكونات وأدوات، ومن خلالها تكون هناك عملية اسمها «طبخة»، ونتيجة هذه الطبخة تختلف من شخص لشخص، حتى لو كانت المكونات نفسها، فالنتيجة هي أشبه بالسحر.

هذا المثال ينطبق على كل عمل فى الحياة، يمكن تكون الحياة بكبرها مطبخا، وباستخدام مهاراتك وأدواتك بها تتحقق أهدافك فى الحياة. المحافظة على الصحة النفسية والجسدية فى تحقيق أهدافك وعلاقاتك، كل هذا يحتاج إلى عمل دؤوب، ومحاولة موازنة بين الفكر والواقع، بين الرغبات والاحتياجات الأساسية.

نرجع إلى موضوعنا الأساسي، وهو المثقفون بين الفكر والواقع، حيث يجب على المثقفين محاولة تصحيح الأخطاء بطرق جديدة بعيدة عن المناهج الأكاديمية بعض الشىء، فمن أهم الفئات التي أثبتت جدارتها فى المجتمع الحديث هم رواد الأعمال الذين سخروا قدراتهم العقلية للمنفعة الاجتماعية، من خلال تقديم خدماتهم سواء المعلوماتية أو غيرها.

الشخصية الذكية هي التي تقطف من كل شجرة ثمرة، لكي تأخذ الشىء الذي يناسبها، ولا تحاول أن تتقمص رؤية كاتب أو سياسي أو شخص مشهور، بل تشكل نفسها بنفسها عن طريق تقطير المعلومات، من خلال جمع وفحص وتحليل ونقد، وبعد ذلك أخذ المعلومة. وبالتأكيد احترام العلماء والكتاب واجب، سواء اتفقنا أو اختلفنا معهم، ولكن يجب أن نعرف أننا مختلفون، فمهما يكن الشخص الذي أمامنا عظيما، وله تأثير كبير فى نفوسنا، يجب أن نعتنق النظرية التي تناسب واقعنا وشخصيتنا ومجتمعنا.