في الوقت الذي تفخر فيه مدننا بشبكات الطرق الرابطة بين أحيائها المختلفة، وبقدرتها على نقل حركة المرور للسيارات بانسيابية، إلا أنها تعاني من إهمالها للمشاة وحقوقهم، كأنما تدفع هؤلاء إلى عدم المشي، بل وقد تنفر منه، بسبب افتقار أرصفة المشاة فيها إلى المواصفات والمقاييس العالمية، وإهمال حقوق المشاة، وذوي الاحتياجات الخاصة، ما ينتج عنه عدم احترام إنسانيتهم، وعدم احترام تلك الأرصفة لحقوق المشاة في تحقيق عبور آمن للطريق لعدة أسباب.

وكشف مهندسون مختصون لـ«الوطن» أن معظم أرصفة مدن المملكة طاردة للمشاة، وتفتقر للتخطيط، والخدمات، ومراعاة حقوق المشاة، وأنها صممت للسيارات فقط.

صعوبة التنقل

يجد المشاة صعوبة في التنقل في معظم شوارعنا، لعدم وجود بيئة محفزة للمشاة، وعدم مراعاة حقوقهم، كما يعانون كثيرا من جسور المشاة في الصعود والنزول، وعدم مراعاة بعضها لحقوق ذوي الإعاقة، ما يصعّب عملية الالتزام بقواعد المرور، والتي قد يكون لا وجود لأثرها على الطرق.

شوارع مثالية

تعد الشوارع المثالية لعبور المشاة هي تلك الشوارع التي تحافظ على الأرواح بتوفير كامل متطلباتهم، على غرار الإشارات الضوئية، والصوتية، واللوحات الإرشادية عند نقاط العبور، إضافة إلى الجسور الكهربائية الإلكترونية التي تساعد في عبور جميع الفئات السنية للمجتمع.

أسباب عدم التهيئة

اتفق عدد من المهندسين على أن هناك أسباب وملاحظات ماثلة لعدم التهيئة الكاملة للمشاة، وعدم توفير بيئة آمنة ومحفزة، ونتج عنها عجزهم عن التمتع بحقوقهم، والتي تتمثل في:

ـ تنفيذ الطرق والشوارع بدون تخطيط لحركة المرور، والفروقات في مناسيب ارتفاع المنازل، والمحلات التجارية، وعدم وجود أرصفة للمشاة، وعدم ربط رخصة البناء مع منسوب الرصيف، وضعف التوعية المرورية، وعدم تهيئة الأرصفة لكبار السن، وذوي الهمم العالية، وممارسي رياضة المشي، وركوب الدراجات، وعدم تطبيق الأنظمة، والمواصفات الفنية للأرصفة الآمنة، وسوء تحسين المشهد الحضري، وسوء تنفيذ الأرصفة، وعدم المراقبة الجيدة من قبل البلديات لمقاولي التنفيذ، وغيرها كثير من الملاحظات.

غياب التخطيط

أشار كبير المهندسين المدنيين، المتخصص في مجال هندسة الطرق والنقل والمرور المهندس عبدالعزيز السحيباني في حديثه لـ«الوطن»، إلى أن «بعض الطرق والشوارع نفذت دون تخطيط لحركة المرور المتزايدة، وبعضها زاد الحجم المروري بها عن السعة التصميمية، مما يضايق حركة المشاة بها، وربما أزيلت الأرصفة إن كانت موجودة لزيادة سعة الشارع مروريا، إلى جانب الفروقات في المناسيب، حيث ترتفع بعض المنازل أو المحلات التجارية كثيراً عن منسوب الشارع، مما يتطلب تنفيذ درج عال يصعده المشاة، وعدم وجود أرصفة للمشاة، وإن وجدت فتشغل بكثير من العوائق (أعمدة إنارة، لوحات إعلانية، محولات كهرباء، درج للمحلات وغيرها) مشيرا إلى أن الاختلاف الكبير لمناسيب الإسفلت التي ترتفع عن الأرصفة، ولا يوجد بها ممرات لذوي الاحتياجات الخاصة، ولا للعربات».

أسباب الوضع

أضاف السحيباني أن «الأسباب التي قادت إلى هذا الوضع تتمثل في: عدم ربط رخصة البناء مع منسوب للمبنى، مما جعل كثيراً من المباني التجارية، أو المنازل الخاصة تختلف في منسوبها عن الرصيف، وتنفيذ كثير من المباني قبل أعمال تنفيذ الطرق، مما يجعلها تختلف في المنسوب، ووجود الارتداد الخاص بالمحلات التجارية (كمنطقة عمياء) فهو غير تابع للأمانة أو البلدية، وغير تابع للمحل التجاري، وغالباً ما يستغله المحل التجاري كموقف سيارات، ويترك مسافة لا تتجاوز نصف متر كرصيف للمشاة، وقد يضع فيها خدماته كخزان المياه، ودرج للتحميل والتنزيل، وعداد الكهرباء، وطبقة خفيفة من الإسفلت والربط مع الطريق الرئيس يشكل خطراً على مرور السيارات.

حلول مقترحة

بين السحيباني أن من الحلول المقترحة «ربط رخصة البناء أو تجديد النشاط بوضع رصيف مناسب للمشاة، مع ممرات لذوي الاحتياجات الخاصة وللسيارات والدراجات، ووضع تصاميم لجميع الطرق والشوارع في المدن من قبل الأمانات والبلديات، وتنفيذ هذه التصاميم من قبل المحلات التجارية والسكنية عند تنفيذها، وبحيث تراعي هذه التصاميم إيجاد ممرات كافية للمشاة، ووضع مخطط متكامل لكل مدينة شاملاً (النقل بالحافلات والنقل بالسيارات، والطرق الرئيسة المخصصة للسيارات)، والمناسيب العامة لكل مبنى منسوبة للطرق والشوارع المجاورة له، ووضع إستراتيجية شاملة لأنسنة المدن يشترك فيها القطاع الخاص والقطاع العام، وأن تكون كل الأجهزة والإدارات الحكومية والخاصة مشتركة في هذه الإستراتيجية، ولا يتم إنشاء المدارس وتأجيرها أو تشغيلها إلا بوجود جميع الأرصفة المناسبة للمشاة والمعابر والإرشادات والعلامات الأرضية حولها، وكذلك الدوائر الحكومية، والمساجد، والجوامع، والأسواق، والمحلات التجارية.

حالة صمود

أوضح عضو هيئة المهندسين في المملكة عبدالله حمدي لـ«الوطن»، أن «شوارعنا تسلب حقوق المشاة»، مشيرا إلى أن «تصميم الطرق لدينا يفتقد لمراعاة حقوق المشاة، ولا بد أن تتغير نظرتنا لعبور المشاة بما يحفظ سلامتهم وحقوقهم، خاصة في ظل قلة خطوط المشاة التي تعطيهم أولوية على السيارات».

وأضاف «إن ما يحصل في الواقع يجعل ملامح الإحباط تعلو وجوه ذوي الاحتياجات الخاصة، جراء تغييب حقوقهم، وعدم احترام إنسانيتهم، لاسيما وأن في المملكة أكثر من مليون معاق، ولذوي الاحتياجات الخاصة أهمية خاصة لا بد أن تراعيهم في العبور وتوعية السائقين بضرورة احترام حقوقهم في عبور آمن للطريق».

تقديم الخدمات

طالب حمدي الجهات المسؤولة بأن تسعى إلى تقديم الخدمات للمشاة من خلال تهيئة نقاط العبور، وتنفيذ ممرات العبور بين طرفي الطريق، وتوفير مصاعد كهربائية لجسور المشاة الجديدة، لتمكين ذوي الإعاقة من استخدامها، وتركيب علامات أرضية عند الحاجة لخدمة ذوي الإعاقة، وكذلك التوعية والتثقيف لأنَّ كثيرا من أفراد المجتمع ليس لديه الإلمام الكافي بثقافة أهمية العبور عبر خطوط المشاة، مما قد يتسبب في حوادث الدهس بسبب نقص الوعي الذي تسبَّب في تفاقم المشكلة.

أحياء غير مهيأة

بين عضو الهيئة السعودية للمهندسين، المهتم بإدارة المشاريع الصناعية المهندس عطية حمدي لـ«الوطن»، أن الأحياء بالفترة الحالية غير مهيأة للمشي داخلها لعدة أسباب، وهي:

عدم تحسين المشهد الحضري من قبل البلديات، وسوء تنفيذ الأرصفة، وسوء اختيار مواد الأرصفة التي لا تؤدي الوظيفة الكاملة، وسوء اختيار المقاولين لتنفيذها، وعدم المراقبة الجيدة من قبل البلديات على مقاولي التنفيذ، مما أدى إلى ضعف جودة تنفيذها، وعدم مطابقتها للمواصفات العالمية للأرصفة، وقلة أعداد الأشجار المزروعة في الأحياء، وهذا عامل مهم في إحياء وزيادة الأكسجين»، مشيرا إلى أن «الحلول تتركز في 3 عوامل، وهي:

ـ اختيار مقاولين ذوي كفاءة عالية بالتنفيذ

ـ اختيار مواد جيدة أو تنطبق عليها المواصفات أو تحقق الشروط.

ـ تحسين المشهد الحضري داخل الأحياء.

عمالة غير متخصصة

أفاد عضو هيئة المهندسين السعوديين يحي مدخلي لـ«الوطن» بأن «أغلب أرصفتنا طاردة للمشاة»، معللا ذلك بسوء تخططيها وتنفيذها، خصوصا مع شيوع تنفيذ المشاريع بالباطن في وقت مضى، حيث تسند لعمالة غير متخصصة، ولا تراعي المعايير الهندسية الصحيحة، إضافة إلى ما تتعرض له الأرصفة من اعتداءات من قبل أصحاب المحال التجارية، أو استخدامها للوحات الإعلانات والخدمات العامة كتوسط أعمدة الكهرباء والإنارة لها، إضافة إلى ما يعتريها من تشوه بصري، وخلو من التشجير، نتيجة عدم وجود إستراتيجية ثابتة لدى البلديات، حيث تتغير هذه الإستراتيجية بتغير وتعاقب الوزراء»، مستبشرا بأنه ومن خلال رؤية 2030 التي أوجدت خططا واضحة لكافة الجهات الحكومية، ومن بينها وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، سيتم إيلاء الأرصفة عناية خاصة، تبدأ بالتخطيط الهندسي السليم لها.

نظريات علمية

أكد عضو الهيئة السعودية للمهندسين، الحاصل على ماجستير في هندسة إدارة التشييد المهندس أكرم بن أحمد مدخلي لـ«الوطن»، أن «الاهتمام بتوفير بيئة آمنة للمشاة عبر تطبيق النظريات العلمية والهندسية لتصميم وتخطيط شبكة الطرق وبالأخص طرق المشاة له أثر كبير في تحسين جودة الحياة للمناطق المأهولة بالسكان، فالدراسات الاجتماعية والنفسية تؤكد أن للمدن ذات البنية التحتية والتصميم المهيأ للمشي والحركة، ضمن المساحات الخضراء والزهور والأشجار تأثير إيجابي على صحة السكان، حيث تقلل نسبة الشعور بحالات التوتر والقلق، وتنشر روح الاطمئنان». لافتا إلى أن رؤية المملكة 2030 التي أطلقها ولي العهد، وتتبنى تحويل الشوارع الكبيرة الرئيسة والفرعية المتواجدة في معظم مناطق المملكة والتي تخلو من أي مساحة مخصصة للمشاة إلى شوارع تحترم حقوق المشاة وذوي الاحتياجات الخاصة، على عكس ما كان الحال في السابق.

خلل موجود

أكد المدخلي أن عدم تطبيق الأنظمة والمواصفات الفنية للأرصفة الآمنة والصالحة لاستعمال المشاة، أحد العناصر والأسباب الرئيسة للخلل الحاصل بها، وقال «من جهة التنفيذ فإن الكل يعلم أن كثيرا من الشوارع الفرعية وكثيرا من الرئيسة خالية من الأرصفة أصلا، والشوارع المنفذ فيها أرصفة تتصف بأن أغلبية أرصفتها لا تصلح أو لا تحفز المشاة على استعمالها، لذلك اعتدنا صغارا وكبارا على استعمال قارعة الطريق، أي السير فيما خصص لسير السيارات رغم خطورة ذلك، والخطورة تزداد كثيرا بالنسبة للأطفال حين خروجهم من وإلى البيوت والمساجد والمدارس، ولمناقشة الحل نذهب إلى ما أشار إليه الكاتب جيف سبيك في كتاب (مدينة يمكن المشي فيها) عندما قال: إن أردت لثقافة المشي أن تتنشر في المجتمع فيجب عليك أن توفر شوارع ومناطق للمشاة، بجودة الشوارع المخصصة للسيارات أو أفضل منها)».

مواصفات مثالية

بين مدخلي أن ظروف العصر الحالية وخطط المملكة المستقبلية تلزم بضرورة إيجاد شبكة ممرات مشاة مؤمنة يتم تخطيطها بالتكامل مع شبكة الطرق المخصصة لحركة المركبات، بحيث تصبح قادرة على ربط جميع المناطق السكنية المختلفة بالمراكز والمناطق الخضراء والاستعمالات الأخرى، بما يتوافق مع المعايير الإنسانية، ومتطلبات الحركة والمساحات الحركية للإنسان، والدور الوظيفي لهذه الممرات والمساحات المناسبة لتحقيق الهدف منها، إضافة إلى تقدير المسافات المناسبة لحركة الإنسان لتحقيق الاتزان، فيما بين حجم وأبعاد الفضاءات الحضرية المحتوية للمسارات، وحجم وأعداد المستعملين، والحفاظ على المعايير الإنسانية، والنسب الجمالية المستمدة من شكل النسيج العمراني ومسارات المشاة.

لماذا تعد أرصفتنا طاردة للمشاة

1ـ.غياب التخطيط.

2.غياب الخدمات.

3.انعدام الأمان.

4.التعدي على الأرصفة.

5.افتقارها للمواصفات الحديثة.

5.بلا تشجير.

6.التشوه البصري.

أسباب تدني جودة الأرصفة

.سوء المواد المنفذة بها.

.سوء التنفيذ.

.ضعف مراقبة المقاول.

.عدم أهلية المقاول للتنفيذ.

.تضارب الخطط بين البلديات.

.ارتفاع المناسيب عن الشارع.

معتدون على أرصفة المشاة:

.أصحاب المنازل.

. المحلات التجارية.

.أعمدة الإنارة.

.اللوحات الإعلانية.

.محولات الكهرباء.

.وقوف السيارات.

ماذا تحتوي أرصفة المشاة المثالية

.ممرات لذوي الاحتياجات.

.أماكن جلوس.

.تشجير.

.لوحات ومناظر جمالية.

.علامات وإرشادات.