الميادين تحديدا، ترتبط مجسماتها / تماثيلها الفنية في غالب الأحيان بجذور قصص، أو وقائع أو حروب، أو تعود لشخصيات تتصدر التاريخ الوطني، أو حتى لفنانين مرموقين شكلوا علامات فارقة في بلدانهم، وصاغوا وجدان مجتمعاتهم.
أثناء تصفحي لتويتر طالعني عمل - تمنيت لو كان ميدانيا - مدهش، مُستلهم من العباءة العربية (البشت)، وتحديدا من الجزء المطرز بـ(القصب الذهبي)، موجود بحلته البهية اللافتة في أحد أكبر سلاسل الفنادق العالمية بالعاصمة الرياض.
استوقفني لوقت طويل، التوظيف الذكي، والتكوين الانسيابي لهذا الجزء من البشت في قالب مشابه لعلامة (اللانهاية) -إنڤينتي- من أجل خلق عمل مُستقى من جذور تراثنا، ومن أحد أهم الرموز التي حظيت ومازالت تحظى بمكانة اجتماعية كبيرة، وفيه إشارة واضحة إلى هويتنا كعرب تعود أصولنا إلى قلب الجزيرة العربية، وكأن الفنان الذي نفذ العمل كان يقول بطريقته الفريدة: نؤكد على جمال تراثنا وثراء تاريخنا، إن تاريخا نستند عليه ممتد إلى ما لا نهاية.
من نافلة القول الإشارة إلى أن تراثنا المتنوع وهويتنا المميزة، تحتاج إلى صناع حقيقين للجمال، مجتهدين، ومنفتحين على طرائق عديدة خارج الصناديق القديمة، من أجل استغلال موروثاتنا وتوظيفها بالشكل اللائق، في قالب مبتكر وأصيل، يصلنا بمصاف الدول المتقدمة فنيا وثقافيا.
ولا أجد حرجا فيما لو أتيحت الفرصة لأصحاب المواهب والمتمرسين والفنانين الصغار باعتبارهم ثروة وطنية، للإسهام في تقديم أعمال فنية جديدة وخلاقة، وذلك بفتح الباب أمامهم في ما يشبه المسابقات، وتشكيل لجان بتنسيق مدروس، عميق ومرن بين وزارتي الثقافة والشؤون البلدية والقروية والإسكان، يرأسها فنانون تشكيليون ومصممون معروفون بسمو الذائقة، تنحصر مهمتهم الأساسية في انتخاب الأعمال الجيدة ووضعها في مكانها الصحيح، سواء في المقار الرئيسة أو في الميادين، وتطوير الأعمال الأخرى ووضعها على جادة الطريق بهدف الارتقاء بالذائقة البصرية، إضافة إلى تعزيز المسيرة الفنية، وإنقاذ كثير من المدن مما اتفق على تسميته «التلوث البصري»، ودعمها على مستوى مناطق المملكة جميعها بما يتماشى مع رؤية 2030.
خلاصة القول، نحن لسنا بحاجة إلى سيارات مرممة توضع في ميادين حيوية، لسنا بحاجة إلى سلال فواكه أو ضروع لم تخدم فكرة ما بالشكل الجيد، ولسنا بحاجة إلى أعمال ليس لها أبعاد عميقة، وإشارات تاريخية تعبر عنا، سواء على الصعيد الفني أو التراثي وتضع الذائقة في مأزق، قدر ما نحن بحاجة ماسة إلى عقول شابة تتقد فنا وإبداعا، تخبرنا قصصا جيدة عن الفن بأقل جهد ممكن، وعن العالم بأكثر من حُلة مختلفة ومدهشة، تعبر عن الماضي العريق بكيفية خلاقة يمكن أن تكون وثيقة الصلة بالمستقبل.