على الرغم من سنوات المطالبة الطويلة، بقيت معاناة حراس الأمن (رجال الأمن الصناعي كما يسمون رسميا) مستمرة مع الشركات الأمنية المشغلة لهم من جهة، ومع تنمر الآخرين عليهم من جهة أخرى، خصوصا اليافعين الذين يجدون في هذه المهنة فرصة لعمل مؤقت خلال إجازة الضيف.

يعمل حراس الأمن غالبا في بيئة عمل غير صحية، ويتعرضون لهضم حقوقهم المادية والمعنوية، ناهيك عن تقاضي معظمهم رواتب ضعيفة جدا تتراوح بين 1800 و3000 ريال، حيث تتفنن شركاتهم في الخصومات، إذ تحسم أجرة 3 أيام عمل عن كل يوم غياب، وتخصم 20 ريالا عن كل دقيقة تأخير، وذلك مع عدم توفير تأمين طبي وتدريب مناسب.

معاناة


وقفت «الوطن» ميدانيا على وضع عدد من حراس الأمن، حيث أفاد أحدهم بأن عملهم متعب جدا، ويتطلب مجهودا كبيرا، وساعات عمل لا تقل عن 8 ساعات دون وقت للراحة، مع راتب متواضع لا يزيد على 3500 ريال، وبعض الرواتب لا تتجاوز 1800 ريال فقط.

وأكد أن معظم العاملين في هذا القطاع لا يستطيعون تملك سيارة، للذهاب بها إلى العمل، ولذا اتجه أغلبهم إلى شراء دراجات نارية (دباب)، ليذهبوا بها إلى عملهم، والتي يقودونها لمسافات طويلة، قد تتجاوز الـ45 دقيقة، في ظروف مناخية غير ملائمة مع شدة الحرارة صيفا، وشدة البرودة شتاء.

وأضاف: «ثمة تدقيق شديد الصرامة على الحضور والبصمة، وأي مخالفة تتكرر تجعلك رهن الفصل المباشر، واستبدال موظف آخر بك، وهذا يشعر الجميع بأنهم تحت ضغط دائم، وكأنه في حالة حرب. كما أن على الحراس الأمنيين في الأسواق والمولات، على سبيل المثال، تحمّل مختلف أنواع الزائرين، والصبر على إساءات بعضهم، سواء كانت لفظية أو التي تصل أحيانا لحدود مد اليد».

غياب التأهيل

أوضح حارس أمن أنه بدأ العمل مباشرة دون الحصول على أي دورات تدريبية أو تعريفية بواجبه وحقوقه، وما له وما عليه. وقال: «حتى ملابس العمل نتحمل كلفة تفصيلها على حسابنا الشخصي، ثم نفاجأ كل شهر بخصومات غير مبررة، ناهيك عن خصومات التأخير والغياب والمخالفات الأخرى في أثناء تأدية العمل».

في المقابل، وفي سوق آخر بشمال الرياض، سألنا أحد حراس الأمن عن صعوبات عمله، فأوضح: «الشركة التي أعمل بها أعطتنا دورات مدتها 10 أيام فقط، ودارت الدورة عن كيفية حراسة المستودعات وعن النظام الأمني، وعن كيفية استخدام طفايات الحريق، وكيفية تقديم بلاغات».

وعن الرواتب، قال: «كانت حتى وقت قريب 3800 ريال، والآن أصبحت 4100 ريال».

وعن أبرز المشكلات التي يواجهونها، أفاد: «تغلق البصمة صباحا عند الساعة 8.10، ويخصم 20 ريالا عن كل دقيقة تأخير بعدها».

بدوره، رأى حارس أمن أن «عملنا مريح، لكن المشكلة أن لدينا خصومات مرتفعة، ناهيك عن عدم تقدير عملنا لأوقات وساعات إضافية خارج أوقات العمل الرسمية، فمثلا في رمضان الماضي قمنا بالعمل طيلة الشهر لـ8 ساعات يوميا، وهو غير المحدد من قِبل الجهات الرسمية، فالمحدد 6 ساعات عمل فقط. كما أن غياب اليوم الواحد حسب نظام الشركة يعادل عمل 3 أيام، وإذا عوضنا غياب زميل لنا ليوم واحد نتقاضى فقط 100 ريال، بينما يتم خصم 400 ريال من راتبه!».

غياب الرأي المسؤول

حاولت «الوطن» التواصل مع لجنة الحراسات الأمنية في الغرفة التجارية بالرياض، لمعرفة موقفها من شكاوى حراس الأمن المتكررة، وممارسات الشركات بحقهم، وسعت للتواصل مع رئيس اللجنة، متعب المطرفي، الذي وعد بالإجابة عن أسئلتها، لكن لم يتسن له ذلك، ربما لظروف طارئة.

أشكال من التعدي

بعيدا عن المعاناة التي يجدها حراس الأمن من شركاتهم، ثمة أشكال من الاعتداءات التي تطالهم، باتت متكررة بشكل شبه يومي، على الأخص في المولات التجارية، وتستهدف غالبا صغار السن منهم، ممن يجدون هذه المهنة فرصة مواتية لعمل صيفي مؤقت، وهو ما رأى متخصصون أنه يترك أثرا مأساويا سيئا في نفوسهم، مجمعين على المسؤولية الكبيرة للأسرة التي تزج بأبنائها في التوظيف المؤقت بهدف مادي، خاصة في الفترة الصيفية، دونما توعية وتوجيه، أو حتى تدريب على التعامل مع المواقف المحرجة والاعتداءات المتكررة.

الزاوية الأسرية

قالت المستشارة الأسرية شذا المحسن إن عددا من الأسر توجه أبناءها للتوظيف المؤقت كحراس أمن في المولات أو المنشآت، وذلك بهدف مادي، اعتقادا منها أن ذلك له دور في استثمار وقتهم، خاصة في الفترة الصيفية خلال إجازة الطلبة. وأوضحت: «الأمر له إيجابيات لا تحصى من استثمار الوقت والجهد، لكنه في الوقت نفسه يطرح تساؤلات عن غياب التوجيه الأسري، خاصة لفئة المراهقين الذين يعملون في الحراسات الأمنية؟، وعن مخاوف من اختلاطهم بشريحة واسعة من المجتمع؟، وكيف سيتعاملون مع المواقف التي قد يتعرضون لها؟. كل هذه الأشياء تغفل عنها بعض الأسر. كما يغيب التعامل مع ردات الفعل السريعة وقت الغضب لشريحة المراهقين، وما قد يعرضهم لإيذاء نفسي وجسدي».

وعن دور الأسرة، أفادت «المحسن»: «الأسر الواعية هي التي تخطط للأمر مسبقا بتدريب أبنائها على ضبط النفس، وإلحاقهم بالبرامج التدريبية التي تنمي مهاراتهم التواصلية مع المحيطين بهم»، لكنها ختمت «عقد، ولمدة شهرين براتب 1500 ريال، قد يكلف الابن كثيرا في حال تعرضه للإيذاء النفسي أو الجسدي، لذلك على الأسر التحسب لهذا الأمر».

الزاوية النفسية

يرى استشاري الطب النفسي الدكتور جمال الطويرقي أن استثمار بعض الأسر الفترة الصيفية في توظيف أبنائها في وظائف صيفية مؤقتة بعقود أمر إيجابي، يهدف إلى إكسابهم المهارات الاجتماعية أو الإدارية أو المالية، التي يؤمنها توافر دخل مستقل للشاب يساعه في تأمين احتياجاته.

وأضاف: «من هذه الوظائف، على سبيل المثال وليس الحصر، وظيفة حراس الأمن، وهم الذين يتولون حراسة المنشآت سواء الصغيرة أو الكبيرة، والحاجة للعمالة السعودية في هذا المجال كانت محصورة والآن بدأت تتسع، بحيث أصبح من السهل الحصول عليها».

وتابع «الطويرقي»: «يعتقد أولياء الأمور أن الحصول على هذه الوظائف المؤقتة يسير وسهل، إلا أنه كما أن لها فإن عليها، لأن هذه الوظيفة تتطلب من الشخص، خاصة من الذكور دون الإناث، الوجود طيلة اليوم، وتتطلب من شاغل الوظيفة أن يكون متيقظا خلال أوقات المناوبة، فمثلا الذين يناوبون على حراسة المنشأة وقت الليل يتطلب منهم ذلك السهر واليقظة والحرص والانتباه، فهو بذلك مسؤول عن أمانة الأماكن التي يحرسها، ويحرس الأشخاص الموجودين بها وبضائعهم».

وأكمل: «يتولى حراس الأمن حتى المحافظة على الأمن، خاصة في المنطقة التي يعملون بها والمسؤولين عنها، وهذا يحتاج نوعا من الحنكة والأريحية لدى الأشخاص ذوي الخبرة»، مستدركا: «لكن بعض الشباب تنقصهم هذه الخبرة، ويحتاجون إلى من يقودهم في هذه الحالة».

استغلال وأضرار نفسية

أكد الدكتور الطويرقي: «لسوء الطالع، هناك من يحاول استغلال هذه الفئة، سواء جسديا أو نفسيا أو ماديا، ولذا قد يتعرضون لأنواع التنمر والإهانات، سواء باليد أو الجسد، أو الاعتداء عليهم باللفظ أو بالأذى النفسي، المتمثل في التحقير والاستصغار، وهذا قد يسبب لهذه الفئة أضرارا نفسية خطيرة، خاصة إذا لم تكن لديهم الثقة الكافية، وقد يتأثرون سلبيا فينسحبون من هذه الوظيفة، أو يدخلون في مشكلات كبيرة، سواء جسدية أو نفسية أو لفظية».

وبيّن: «الأمر يكون أشد خطورة في حال تم استغلال هذه الفئة من قِبل البعض، وعلى الأخص مروجي المخدرات الذين يتسللون إليهم بطرق مختلفة». وأوضح: «قد يتم إيهام هؤلاء بمد يد المعونة لهم عبر تقديم منشطات تساعدهم على أداء واجبهم بأريحية وهم سعداء، وترفع من معنوياتهم وتشعرهم بالقوة والتركيز، ولا سيما أنهم يحتاجون مثل هذا الأمور في مواقعهم، وقد تمنح لهم كهدية دون مقابل في بداية الأمر، إلى أن يصلوا إلى مرحلة الإدمان، ويزداد الأمر سوءا عند مرحلة الانتشار بأن يطلب منهم نشر هذه المواد بين الفئة المشابهة لهم من أصدقائهم الذين يعملون بحراسة المولات أو المنشآت».

سلبيات المحطة الأخيرة

كشف الدكتور الطويرقي عن أنه، وعند الوصول للمحطة الأخيرة، وهي انتهاء مدة العقد، نجد الشاب لم يدخر العائد المادي، وليست له علاقات اجتماعية بحكم انعزاله عن المجتمع، وأصبح في النهاية مدمنا. وقال: «الأسوأ من ذلك هو أن الشاب بعد الانتهاء من وظيفة الحراسة قد يكون مدمنا ومنعزلا تماما، ولا يستطيع مزاولة حياته الطبيعية، ولا يجد حتى الدخل المادي الذي يفترض أنه قد حصل عليه، بل إنه في هذه الفترة يبدأ في البحث عن المادة، لشراء المنشطات، فيدخل في دوامة الحصول على المال بشتى الوسائل غير المباحة، ويقع في مغبة الاكتئاب، ولذا أنصح بألا نزج بأبنائنا في ذلك الاستثمار المؤقت إلا بعد التأكد من تأهيلهم عبر اتباعهم برامج تدريبية أو حضورهم المحاضرات التوعوية، حتى لا يقعوا فريسة للمستغلين».

الرؤية القانونية

أكد المحامي المستشار القانوني عبدالكريم القاضي أن عقوبة استخدام القوة أو العنف أو التهديد بحق موظف عام تصل إلى السجن 10 سنوات وغرامة مليون ريال، وفقا للمادة السابعة من نظام مكافحة الرشوة، التي تنص على أن استعمال القوة أو العنف أو التهديد في حق موظف عام للحصول منه على قضاء أمر غير مشروع جرم، يعاقب فاعله بالسجن مدة تصل إلى 10 سنوات، وغرامة تصل إلى مليون ريال.

وفيما يتعلق بدفاع حارس الأمن عن نفسه قانونيا، أوضح: «يدخل ذلك ضمن دائرة الدفاع عن النفس، فلا يعاقب عليه».

تأهيل نفسي ومجتمعي

من جهتها، أوضحت استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان والمراهقين الدكتورة هدى البشير أن المسؤولية الكبرى تقع على كاهل المجتمع بضرورة احترام هذه الفئة، وعدم الاستخفاف بها، بل يجب تشجيعها، لأنها فئة مكافحة تسعى لاستثمار الوقت والجهد.

وأضافت: «للأسف الشديد، هذه الفئة، خاصة من المراهقين، قد يتعرضون لأصناف من الإيذاء النفسي، ولو حتى بالنظرة، مما يؤدي إلى عزوفهم عن استثمار الوقت، وبالتالي قد يقعون في مهلكة الفراغ ونواتجها السلبية». ونصحت «البشير» الأسر بضرورة تأهيل أبنائها نفسيا، وتوجيههم لضبط النفس، وزرع الثقة الكافية فيهم، كونهم أفرادا منتجين، ويسهمون في رفع اقتصاد الأسرة، والاعتماد على أنفسهم، حتى وإن كانت الفترة محددة بعقد.

المهارات الدفاعية

عن مدى أهمية تدريب حراس الأمن على المهارات الدفاعية، قال إداري ألعاب القوى في المنتخب السعودي ماهر الدبيسي: «تدريب حراس الأمن قبل الالتحاق بالعمل في الحراسات الأمنية مهم من ناحية السيطرة في بعض المواقف التي تحتاج إلى حزم في تطبيق النظام، وذلك في حدود تكون موضحة لحارس الأمن في عقد العمل».

وتابع: «يجب أن تعاد دراسة الموافقة على التعاقد مع هذه الشركات، لتكون هناك حوافز مغرية تحث حارس الأمن على التمسك بهذه الوظيفة». وركز على تأكيد أهمية التدريب الدفاعي وفق النظام، حيث أوضح: «تعليم وتدريب حارس الأمن على فنون الدفاع عن النفس مهم جدا، ولكن إذا كان هناك عقد يمتد إلى عام أو عامين فأكثر».

وختم: «من غير الممكن أن يلتحق شاب مراهق بهذه الوظائف، ويستمر ويقبل بالتدريب والعمل لـ6 ساعات يوميا براتب لا يتجاوز 2000 ريال».

معاناة حراس الأمن

1800 حتى 4100

ريال مقدار الراتب الشهري

3

أيام خصم لكل يوم غياب

20

ريالا خصم عن كل دقيقة تأخير

8

ساعات مدة الدوام على الأقل كل يوم

100

ريال راتب الموظف البديل في يوم

400

ريال قيمة الخصم للعامل عند غيابه يوما

أشكال الاعتداءات على حراس الأمن:

- نفسي

- جسدي

- مجتمعي

مهارات يحتاجها حراس الأمن

- مهارات الاتصال

- مهارات نفسية

- مهارات دفاعية