على قمم جبال هجرة نائية في جنوب المملكة، ظهر لاعب برشلونة السابق آليكس وهو ينطق بالعربية كلمات جنوبية للترحيب بالضيوف، ويرتدي زيا سعوديا كاملا وكأنه من سكان تلك الهجرة، ومن يعرف طبيعة التعامل مع الأوروبيين حينما يسافرون خارج ديارهم، يعرف مدى صعوبة حصول هذا الأمر، فهم الأكثر حذرا في التنقل وحساب كل خطوة، والبعد عن المغامرة، خصوصا وإن كانت غير رسمية أو بلا وسائل أمان عالية، فما بالك إن كان قد لعب لفريق كبرشلونة، ولك أن تتخيل درجة الغنى التي يعيشها وكل هذه نقاط تجعل هذا المشهد غير مألوف. وفي نهاية المشهد ظهر شاب سعودي يرافق هذا اللاعب، وهو من جلبه من إسبانيا إلى هذه القفار، ليهيم ذلك اللاعب الإسباني بتلك الديار، وبدأ يتنقل من بيت إلى آخر إلى قرية إلى سهول ومرتفعات، وكان يعيش وكأنه مولود في تلك الأماكن، لم يشعر بالخطر أو الفرق الزماني أو المكاني أو اختلاف الثقافات، والسبب هو اللغة العالمية المشتركة بينه وبين هذا الشاب الذي يرافقه، فكأن كلا منهما قد وجد أخا لم تلده أمه.

أما هذا الشاب السعودي فهو متعب الوعلة- مدير فريق برنامج الابتعاث السعودي لتطوير مواهب كرة القدم في مدينة سالو الإسبانية- الذي ظهر في مقطع فيديو على الحسابات الرسمية لوزارة الرياضة بعنوان «مشوار مليء بالتحديات - متعب الوعلة»، وكان يتحدث عن سفره إلى إسبانيا فقط ليحقق حلمه بلعب كرة القدم في فريق إسباني، وكيف أنه سافر دون أي تفكير في أين سينام أو كيف سيأكل، ولمواصلة ذلك الحلم فقد اضطر للعمل هناك في البناء وتوزيع المنشورات الدعائية في محطات المترو وتوصيل البيتزا وغيرها، حتى تعرض لإصابة أجبرته على العودة للديار، وكاد متعب يموت بداخله حلم سعى لأجله من الصفر.

ولكن الوزير الشاب الذي ضرب به سمو ولي العهد المثل حينما أجاب عن أهم المعايير التي يبحث عنها في فريق الوزراء والخط الذي يليهم، فقال سموه: «الشغف»، مستشهدا بوزير الرياضة الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل، وكيف أنه ليس لاعبا بارزا أو وزيرا سابقا، فقط لديه الشغف بالرياضة، وهذا السبب كاف لتصبح الرياضة على ما هي عليه الآن لدينا، إذ أمر هذا الوزير عام 2019 بإنشاء هذا البرنامج وبحث عمن يديره بشغف فلم يجد أكثر شغفا من متعب الوعلة، بل إن الوزير حضر بينهم باللباس الرياضي وشاركهم التدريبات واستعرض الوزير واللاعبون مهاراتهم الكروية معا.

ما أريد قوله، إنه ما من حكومة أو كيان يهمل الرياضة ويبقى حيا، فإهمال الرياضة يعني إهمال الشباب، وإهمال الشباب هو القتل البطيء لأي منظومة حول العالم، فما بالك إن كان هناك رياضي يذهب من إفريقيا وخلال أيام يلعب في دولة إسكندنافية ولا يجد اللغة عائقا، لأن القوانين الرياضية لغة عالمية، فكيف إن جمعت الشغوفين بها، فما مقياس الألفة بينهم، وكل منهم يجد عند زميله اهتماما مشتركا، فلا غرابة أن تجد دولا قد فشلت في التقارب سياسيا ولم يرأب ذلك الصدع بينها إلا الرياضة، ولا غرابة كذلك أن تجد قلوبا قد كسرت من كثرة التحديات والمصاعب وكانت الرياضة خير جابر لها، لأن من حسن حظ تلك القلوب وأصحابها أنها شغفت بالرياضة في وقت وزراء الشغف كما هي العلاقة بين متعب الوعلة ووزارة اللغة العالمية.