الأسابيع القليلة الماضية شهد العالم ارتفاعا كبيرا في معدلات الإصابة بكوفيد 19 ويعود ذلك لخصائص المتحور الجديد «دلتا»، فقد أثبتت الدراسات الوبائية قدرته على الانتشار السريع، وربما تسببه في أضرار أكبر للمصابين مقارنة ببقية المتحورات ذات الأهمية، والتي ظهرت منذ بداية الجائحة وجود اللقاحات الفعالة يحافظ على تقدم البشرية خطوات بسيطة على هذا الفيروس القاتل، ولكن تردد البعض ومشاكل التصنيع والتوريد والتوزيع حول العالم قلص هذا التقدم لصالح كورونا، وكذلك ظهور متحور الدلتا ذي الخصائص المقلقة يحتم على البشرية تغيير قواعد اللعبة وربما العودة للوراء قليلاً وتشديد الإجراءات الوقائية على كافة الأصعدة للمحصنين وغير المحصنين على حد سواء.

تحور الفيروس هو سبيله الوحيد للنجاة واستمراره في إلحاق الضرر والأمراض ومع سرعة انتشار «دلتا» ووجود كثير ممن لم يتلقوا اللقاح حول العالم وأيضاً كثير ممن لم يستكملوا كافة الجرعات بعد أصبح لزاماً التعامل معه وفق هذه المعطيات الجديدة. بادرت بعض الدول بفرض بعض الإجراءات المشددة للحد من انتشار فيروس كورونا، وأعادت بعض المؤسسات الطبية المتخصصة كالمركز الأمريكي للتحكم والوقاية من الأمراض التوصيات الوقائية التي تم تخفيفها في وقت سابق كتلك المتعلقة بلبس الكمامة للمحصنين، وأيضاً الخاصة بالعزل والفحص عند المخالطة لحالة مصابة أو مشتبه في إصابتها.

يبقى الأهم تسريع عجلة التحصين ودعم نقل تقنيات التصنيع في الدول ذات الكثافة السكانية ومساعدة الدول الفقيرة حول العالم للحصول على اللقاح فلن ننعم بالسلام والسلامة من هذا الفيروس وهذه الجائحة إلا إذا كان العالم كله في مأمن من هذا الفيروس، فا دام هذا الفيروس ينتشر بسرعة وكثيرون معرضون للإصابة به فستستمر التحورات في الظهور وربما يظهر متحور بخصائص تجعله منيعا ضد اللقاحات أو أشد ضراوة مما سبقه من المتحورات بكثير وعندها نعود للمربع الأول، لا سمح الله.

ما خاضه العالم منذ بداية الجائحة جعله أقوى بكثير مما كان عليه قبل الجائحة، فوسائل الحماية متوفرة، والإجراءات الاحترازية وتطبيقها اعتاد الناس عليه رغم ضجرهم والطواقم الطبية زادت خبراتها، وخطط المواجهة أصبحت أكثر إحكاماً والأجهزة والمعدات متوفرة بكميات قياسية، بل وأصبحت هناك مخزونات احتياطية تساهم في تعزيز الأمن الصحي وقدرات مكافحة الجائحة.

وأما مظاهر الحياة وآليات التكيف في ظل ظروف الجائحة، فقد أظهر البشر قدراتهم التي جبلهم الله عليها في التكيف مع الأخطار وتقليل تأثيرها على مظاهر حياتهم ومعاشهم ساعدهم في ذلك تطور التقنية والاتصالات، فالتعليم أصبح عن بعد والطب الاتصالي وتطبيقاته حلت كبديل ناجع لتقديم خدمات الرعاية الصحية المختلفة، والمعاملات الإدارية أصبحت رقمية عبر تطبيقات في جيب كل فرد عبر أجهزة الجوال الذكية، وكذلك التسوق فلم نعد بحاجة للذهاب للأسواق والمجمعات التجارية، بل كل ما نحتاجه للتسوق هو اتصال إنترنت.

في السعودية، ولله الحمد، التعامل المتميز مع الجائحة في كل المراحل وعلى كافة الأصعدة وليست الصحية فحسب، بل قطاع التعليم أثبت كفاءة عالية في التحول للتعليم عن بعد، والقطاعات الحكومية المختلفة تحولت لخدمة المستفيدين إلكترونياً بسلاسة ويسر، والخطط الاقتصادية المحكمة أثمرت في تعاف سريع للاقتصاد من آثار هذه الجائحة، وما بقي الآن هو مساهمة الأفراد بداية بالمبادرة في أخذ اللقاح والالتزام بالإجراءات الوقائية لنحمي أنفسنا ومن حولنا من «دلتا» ومن ظهور متحورات أشد خطورة.