بلادنا العزيزة أصبحت مطمح الأنظار.. لما فيها من كنوز سائلة وكنوز جامدة.. وثروات منها ما هو ظاهر، ومنها ما هو خفي، ونحن نعيش في عصر مادي.. قد تستخدم فيه بعض الحكومات القوية مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، ولهذا فإن علينا أن نحمي هذا التراث الثمين الذي حافظ عليه الآباء والأجداد حتى نسلمه لمن بعدنا أحسن مما سلمه إلينا من قبلنا.

ولن نستطيع ذلك إلا عن طريق العلم أولاً ثم طريق القوة ثانياً؛ ولهذا فإنني أرى أن يُسن نظام يجعل التعليم إجبارياً والجندية إجبارية، ولكن هناك شيئاً يجب أن يسبق هذين الأمرين وهو الإحصاء.. وتسجيل المواليد في مدة محدودة بعد الولادة.. يترتب على مخالفتها جزء رادع يكون عند المواطنين علم سابق به.

فهل لدى مصلحة الإحصاء فروع في مدن المملكة للإحصاء.. بل في مناطقها الكبيرة التي لا أدري هل يوجد ذلك فيها أم لا، وأرجو أن يكون ذلك موجوداً فتعقب مصلحة الإحصاء على مقالي هذا أو تثبت أمام الجمهور الذي قرأ مقالي هذا أن تساؤلي خاطئ.. وأن الواقع يكذبه.


ومصلحة الإحصاء تعرف أنه على معلوماتها الدقيقة يبنى كل شيء، فعلى أساس الإحصاء يكون التموين.. وعلى أساس الإحصاء يكون الإنتاج.. وعلى أساس الإحصاء يكون التعليم.. وعلى أساس الإحصاء يكون التسليح.. إلى آخر ما تتطلبه حياة هذا العصر..

إننا في حاجة إلى الإحصاء بشتى أشكاله وألوانه.. ونحن في حاجة إلى عقول بشرية تساعدنا على تثبيت هذا الأساس.. وفي حاجة إلى شيء أهم من ذلك كله وهو الإخلاص.. وهو اختيار الرجل المناسب للمكان المناسب.

عفواً أيها القارئ الكريم فلقد شطحت بك من التعليم الإجباري والتجنيد الإجباري.. إلى عام الإحصاء.. وما ذلك إلا لأن الإحصاء هو الأساس لكل مشروع يراد أن يبنى على أسس ثابتة، وقواعد متينة.. فأعود إلى ما أردت به هذه الكلمة.

إن التعليم الإجباري سوف يخرج لنا من بين صفوف الشعب نوابغ وكفاءات نستطيع أن نعتمد عليها في مختلف المشاريع النافعة التي يتطلبها وطننا، ويرتكز عليها مستقبلنا.. ويتوقف عليها نهوضنا بمختلف الأعمال الجليلة التي نتطلع إليها.

وإن التجنيد الإجباري سوف يربي شبابنا تربية جسمانية وتربية عقلية.. وسوف تعودهم الجندية على النظام وعلى التقشف وعلى الصبر وعلى الطاعة.. وسوف تحول بينهم وبين الترف والفراغ اللذين لا ينتج عنهما إلا فساد العقول وفساد الأخلاق.. وفساد الأجساد.. إن الشدائد والتربية الخشنة هي التي توجد الرجال الأفذاذ، وهي التي توجد الأمم القادرة على تحمل مسؤولياتها.

فهل ننظر إلى هذين الأمرين بالنظرة الجادة المثمرة التي يستحقانها.!!

إنني أرجو ذلك.. وألح في الرجاء.!!

1996*

* أديب وباحث سعودي «1912 - 2011»