أسوة بالعمليات الأمنية والعسكرية والأرصاد وحماية البيئة وكل ما يتعلق بالأمن والسلامة الجسدية والنفسية والفكرية تحتاج الحياة الاجتماعية إلى خطوط دفاع أولى وأجهزة إنذار مبكر تتابع مدى تأثير المتغيرات بالمجتمعات، وكيفية التفاعل الفردي والجماعي والمجتمعي معها كي يكون هناك تدخل سريع ومدروس عند الحاجة إليه بحيث نضمن بعد الله ضبط الأمور كما يجب متجنبين انفلات صمام الأمان الاجتماعي الذي قد يأخذنا الى حسابات صعبة نحن في غنى عنها..

لو تحدثنا عن خط الدفاع الأول.. فنحن نتكلم عن الأسرة بلا شك، فهي البيئة الخصبة التي يجب أن لا ينثر قطباها (الأب والأم) داخلها إلا بذور التوازن والوعي والفطنة الفكرية التي حتما ستطرح ثمار مجتمعية تامة النضج سليمة العقل والعاطفة بطاقة إنتاجية ودافعية بناء وانتماء وولاء للمجتمع والوطن عالية جدًا، إن أحسنا السقيا بالتفهم لأساسيات التربية، واستيعاب خصائص كل مرحلة عمرية، وإدراك أبجديات الاحتواء والتوجية عند الخطأ، وأدبيات الحوار الذي يبتعد تمامًا عن الأوامر والنواهي أو فرض سلطة الوالدين أو أحدهما لأسباب متعددة، منها معرفة الأبوين معرفة كاملة بحقوقهما كوالدين مع جهلهما الشديد بحقوق الأبناء عليهما، وما قد يترتب على ذلك من مشاكل اجتماعية وسلوكية كبيرة.

الأسرة التي أتحدث عنها لا أعني بها الأسر المجتمعة تحت سقف منزل واحد فقط، بل إن الدور الأبوي المهم والمسؤوليات الأسرية الكبيرة تشمل أكثر من ذلك بحيث يجب أن يصل نطاق الوعي بأهمية دورها ليغطي نطاق الأسر التي غاب أحد أطرافها بطلاق أو مرض أو وفاة، لأن صلاح البيئة الأسرية هو أساس صلاح مجتمعات كاملة.

بعد خط الدفاع الأول نأتي إلى أجهزة الإنذار المبكر التي يجب أن يُفعل دورها مع بداية التفكير بتكوين الأسر التي هي نواة المجتمعات، أجهزة الإنذار هذه تبدأ من قبل الزواج، فكما أن هناك فحص طبي لا يتم عقد القران إلا به يجب أن يكون هناك كشف دقيق للسلامة العقلية والنفسية وفحص للتأكد من سلامة الرجل والمرأة من الإدمان وغيره بحيث لا يتم الزواج بدون اختبار السلامة من كل هذا، أما بعد الزواج فأجهزة الإنذار المبكر التي تكشف صلاحية الوالدين في المحافظة على بيئة أسرية صالحة من أجل كيان مجتمعي سليم تأتي من خلال مسؤولية المستشفيات والعيادات الصحية في ملاحظة آثار التعنيف الجسدي أو النفسي أو أي بوادر تدل على الإهمال والتفريط من أحد الأبوين، ومن خلال المدرسة التي يجب أن تكون فطنة جدا في تتبع أي سلوكيات تدل على خلل في البيئة الأسرية نتج عنه خلل في السلوك.

أما في حالات الطلاق خاصة ذلك الذي لا يأتي إلا بعد فشل جهود ودية متعسرة تعذر معها التسريح بإحسان مما لا يمكن الفصل فيه إلا من داخل أروقة المحاكم فهنا يجب أن يكون له مكاتب رصد وأجهزة إنذار مبكر بإدارات رسمية تراقب وتقيم مدى إخلاص وتفان وإجادة الأبوين في أداء دورة بدون تقصير يضر بالأبناء أو تحميل الطرف الثاني كامل المسؤولية بلا وجه حق.

ما يحدث من تجاوزات بسبب زواج فاشل بأجساد مجتمعة تحت سقف واحد بقلوب وعواطف ميتة ومسؤوليات مهملة، أو إهمال لأطفال من أب معدد بلا عدل، أو طلاق جائر يدفع ثمنه طرف واحد مع أبنائه دون أن يحاسب الطرف الثاني على تفريطه أو إهماله، كل هذا كفيل بتبعات مرهقة يخرج بالمجتمع عن النص والحبكة السليمة لبناء مجتمعي متماسك بلا تصدعات.

في هذا الوطن الغالي لمسنا أثرًا كبيرًا لكثير من النظم التي أحدثت فرق يحسب لصالحها، فمثلا رأينا أثر - نزاهة - في الحد من التجاوزات المالية وتجاوزات الأنظمة وصناعة المحسوبيات والفساد الإداري، كما لمسنا أثر -ساهر - على طرقاتنا لسلامة أرواحنا ومدى فعاليته في كبح جماح المتهورين..وغير ذلك مما يصب في مصلحة الوطن والمواطن.

سؤالي..

ألم يحن الوقت لإيجاد نظام اجتماعي نطلق عليه اسم - راع - يتم فيه رصد التجاوز

وضبط مخالفي المنظومة الأسرية لنطمئن على صحة أبنائنا النفسية وصحة مجتمعنا المجتمعية ؟.

دولتنا العظيمة صنعت - بعون الله - المعجزات لتهزم المستحيلات ولتصنع لنا حياة كريمة تليق بشعب وطن عظيم ولنحافظ على هذه المنجزات يجب أن نلتفت لكل ضعف في النظام الأسري قد يصيب الحياة الاجتماعية بتصدع لذلك يجب علينا الآن تفعيل أجهزة الإنذار المبكر التي قد نربطها كلها بخيط نظام راع المقترح والذي أتمنى أن يتحقق به المبدأ النبوي (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).