مع متغيرات الحياة المستمرة، وبين خبرات مرت وقصص ماضية وتجارب سابقة، وبين علم ومعرفة وثقافة وتكنولوجيا، وفي ظل ظروف كوكبنا مع الجائحة انقسمنا كسكان لهذا الكوكب، وعلى اختلاف كل ما سبق من ثقافة وموقع جغرافي وحكومة ونظام، إلى قسمين لا ثالث لهما:

بين مُسلِم واع بأن الفيروس حقيقي وموجود ويجب أخذ اللُقاح للتحصين والحماية، فأصحاب هذا الفكر ساهموا في سلامة الكوكب وليس سلامةِ أنفسِهم فحسب؛ لأن التغيير في المجتمعات يبدأ من الفرد.

البعض منهم خرج من بلده وعبر آلاف الأميال سفراً ليتمكن من أخذ اللقاح في بلدٍ يوُفره مجاناً، والبعض الآخر اكتفى بالتمني فهو جلّ ما يملك لأن ظروفه لا تمكنه من السعي وراء الحصول على اللقاح.

أما القسم الآخر فآثر الشائعات على الحقيقة، والظن على الحق والوهم على الواقع، ورغم التوعية والإعلان والإعلام ظل يطرد السراب، فلا هو الذي سَلِم وسَلّم، ولا هو الذي قدر بالعقل واقتنع، المشكلة أن مسألة اللقاح يعدها البعض مسألة شخصية وخيارا فرديا،

وأن الحث على تلقيه يُلغي حريته الشخصية وخياراته كفردٍ مستقل، وهذا خطأ جسيم، فاللقاح مسؤولية اجتماعية وقرارنا فيه هو قرار مجتمعي، هو أمانة، ولن أتطرق لقصص مؤلمة راحت على أثرها بيوت بأهاليها، ساهم فيها ابن أو ابنة بمرض أو وفاة والديه أو عائلاتهم الأم أو الصغيرة لتساهُلٍ لا مبرر في ظل كل هذا الوعي الذي نعيشه، ومع هذه الاحترازات

خصوصاً في وطننا الحبيب الذي كان مثلاً عالمياً في تعامله مع هذه الأزمة الدولية، فهو متوفر مجاناً وبضغطة زر بكل سهولة وتنظيم بالغين تمناها كثير من الشعوب في جميع أقطاب الأرض وحُرموا منها.

جميعنا افتقد الحياة الروتينية التي طال تذمرنا منها مدارس وجامعات عمل وسفر اجتماعات عائلية أو عملية.

جميعنا كبالغين نحمل ذكريات الطفولة والشعور الأول للالتحاق بالمدرسة، وما زلنا نذكر معلمينا في الصفوف الأولى وزحام المقصف وأصدقاء العمر الطبيعي أن نشعر بنشوة النجاح في حفل التخرج ورهبة الموقف في المقابلة الشخصية وتضارب الأحاسيس في اليوم الوظيفي الأول، كل هذه المواقف والذكريات شيء طبيعي نملكه في خزينة الذاكرة، لكن أطفالنا حُرموا منه ولا يملكونه في أرصدة الذكريات.

أخوتنا خاضوا تجربة التخرج أو العمل عن بعد ولم يعيشوا التجربة على أرض الواقع، هذا الحرمان لمزاولة الحياة الطبيعية التي نعرفها مؤلم وله أثر بالغ علينا كبشر فقدنا مهارات التواصل وألفة الشعور وبناء جسور العلاقات.

قل مستوى الذكاء الاجتماعي واللباقة العامة، وفترت أواصر الترابط كلها أشياء ظننا طويلاً أنها مُسلمات في هذه الحياة، لكن فيروس كورونا غير كل الموازين وأخذنا الشوق لِنعم اعتدناها فلم نشكرها، بل ومملناها فزالت وندمنا، لكن ما زال اللقاح بيدنا للإصلاح ولتعود الحياة.