عندما تتلبد السماء بالغيوم السوداء المكفهرة، فلا عاصم لكم سوى صفاء قلوبكم.

عندما تمر الساعات حزينة وبليدة، فلا ملجأ لكم سوى أن تختاروا التوقيت المحلي لقلوب أحبتكم.

ليس هناك عالم تعيس، هناك بشر اختاروا التعاسة، ليس هناك وقت جميل ووقت قبيح، الوقت قمة الحياد، لا دخل له بكل ذلك، نحن نملأه بأحداث سعيدة فيصبح سعيداً، أو نملأه بأحداث قبيحة فيصبح قبيحاً.

ليست هناك قلوب فارغة.. الفراغ كما تؤكد علوم الطبيعة والفيزياء، وكما يؤكد علم المحبة، هو خرافة ووهم، كل فراغ لابد أن يمتلئ، قد يمتلئ الفراغ بمياه نقية تنبع من قمة جبل نظيف، وقد يمتلئ بمياه البالوعات الملوثة، قد تمتلئ القلوب بنهر دافق من المحبة، أو تمتلئ بسواد الكراهية.. ونحن الذين نختار مع سبق الإصرار والترصد أن نكون محبين أو كارهين..! فرحين أو متبرمين.. وليس في المسألة نظرية مؤامرة..!.

قلنا وما زلنا نقول: «لا يحك جلدك غير ظفرك»، وقلنا وما زلنا نقول: إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، وأن حكاية الفانوس أو «شبيك لبيك عبدك بين ايديك»، هي حكايات تحكيها العجائز للأطفال ليناموا، لن يأتي أحد من اللامكان أو اللازمان ليعيد لنا اعتبارنا، ويعيد للريادة توهجها، وللعطاء الجميل رونقه. قلنا وما زلنا نقول: إن ترك الأمور كما تشتهي لها سفن الفوضى والإهمال، وأن حكاية «أن كل تأخيرة وفيها خيرة»، وأن حكاية «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»، هي حكايات وأساطير انتهت صلاحيتها عند الأمم المتحضرة، التي تعرف معنى الوقت ومعنى الإنجاز ومعنى الاتقان ومعنى المحبة..!.

أوه.. لقد تذكرت الاتقان.. هذه الكلمة الغائبة أو المغيبة من قاموسنا، تلك المقولة التي نسيناها أو تناسيناها: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»..! فلماذا لم نعد نتقن العمل، ولم نعد نتقن الغناء، ولم نعد نتقن ترتيب الزهور، ولم نعد نتقن المحبة..!.

أيها الناس.. انظروا في مرآة أنفسكم، وتذكروا أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

2004*

* أكاديمي وكاتب كويتي «1949 - 2008»