ذهب صاحبنا الذي يعتقد أن لديه مهارة في أحد أقسام الإعلام إلى عدة مراكز إعلامية حكومية وخاصة، وبين تنقلاته كاد لا يُسأل إلا سؤالا واحدا (هل لديك مؤهلا في الإعلام؟)، فيجيب لا، ولكنني أعتقد أن كليات الإعلام «بكبرها» لم تنشأ قبل الإعلام، بل كباقي العلوم والتخصصات، بدأت بمهارة ثم كثر طارقوها، لتتم منهجتها علميا حتى أصبحت علما يدرس ثم يدرب ثم يحترف ليصبح مهارة، فقد أمتلك جزءا من تلك المهارة، وبالتبني من قبلكم وتدريبي وتأهيلي على رأس العمل قد أختصر وإياكم جزءا من الوقت، يجعلنا نثمر سويا بعمل احترافي، وهذا هو المنتهى والمرجو من هذه الدائرة كلها. المهم أنه تم التعامل معه بمبدأ (أذن من طين وأذن من عجين)، حتى وصل إلى جزء صغير من مبنى كبير، به مجموعة من الشباب يتعاملون فيما بينهم كما يتعامل سماسرة «بورصة ناسداك»، فالعمل أشبه بخلية نحل، كل منهم ينجز عملا بإشارة قصيرة بينه وبين زميله، جدران مكاتبهم الزجاجية التي لا تجعل حواجز بين رئيس ومرؤوس لم تسلم من استخدامها كمسودة للعمل والتذكير بأجندته، تجد كلا منهم يحمل جهازا محمولا وسماعة للأذن، فهذا يتحدث مع زميله في المكتب ويكمل إيصال الصورة لزميل لهم على أطراف الحدود الشمالية، والآخر بالحد الجنوبي.

المهم أن صاحبنا قال في نفسه بالتأكيد أن جميع هؤلاء الشباب يحملون درجة الدكتوراه في الإعلام وإلا لما وصلوا هنا رغم بيروقراطية التوظيف الإعلامي.

فوصل إلى مقر مدير العلاقات العامة والشراكات والذي هو عبارة عن فواصل زجاجية كمساحة لمكتب بحجم 1.5 متر مربع، يخلو من بهرجة المكاتب العاجية والكنبات الجلدية المذهبة، بل كل شيء مختصر، وبادر صاحبنا بسؤال هذا المدير عن شهادته، فأجاب «بكالورويوس تربية خاصة» فكأن صاحبنا يقول «أجل وش جايبك هنا؟!»، فالعالم العربي بأكمله لا زال ينظر لورقتك أكثر مما ينظر إليك، مما جعلنا من أكثر بلدان العالم معاناة من الشهادات المزورة.

فأجابه مدير العلاقات باختصار نحن هنا نبحث عن المهارة «وبس»، فقد تجد لدينا مصمم جرافيكس لا يحمل سوى شهادة الثانوية العامة، ولكنه يتقاضى راتب طبيب لأنه من أمهر شباب المملكة في الجرافيكس، وقد تجد زميلا لدينا يعمل سابقا كمعلم لمادة الرياضيات، وحاليا يعمل معنا كقائد للتحول السينمائي السعودي، فقط لأن لديه مهارة تقييم ونقد الأفلام السينمائية العالمية، ويعرف عنها أكثر مما يعرف «العم قوقل» من تكلفة الإنتاج وصعوبات التصوير ومشاكل الإخراج والأخطاء المرتكبة و.... و.....إلخ، وتجد أن لدينا شبابا لا يملكون في سيرتهم الذاتية سوى أنهم قاموا بتأليف كتب حصلت على جوائز الأكثر تأثيرا وهذا ما يهمنا، وخرج صاحبنا وقد جعلته الفرحة ينسى ما أتى إليه، وكأن الحياة دبت في عروقه بعد أن نشفت.

ما أريد قوله إن هذا باختصار مثال لما يريد أن يقودنا إليه قائد الشباب سمو ولي العهد، حينما تحدث عن طريقة تغيير التعليم من التلقين، ليكون التعليم بناء على الـ Skills التي يمتلكها المتعلم كأحد توجهات رؤية 2030، مما ينشئ لدينا جيلا من الخارقين، جيلا لا يكون التركيز على جوانب الضعف لديه لتقويتها فيصبح طبيعيا، بل يتم التركيز على جوانب القوة المهارية لديه فيصبح أسطوريا، وكي تعرف وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أهمية إدخال معيار الـ Skills في تقييماتها للمفاضلة فـ(التواصل الحكومي مثال للـ Skills).