يأتي اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية كل عام لتُدشن من خلاله مناسبة الفرح الأكبر لهذا الوطن في قلوب أبنائه، وليتذكروا جهود الآباء عبر آلاف السنين التي كونت ما أصبحوا عليه من أصالة وقيم عليا، وليستعيدوا في الوقت نفسه ذلك الزخم التاريخي، الذي أعاد وصل الماضي بالحاضر من خلال تلك الملحمة التي خاضها الملك المؤسس، يرحمه الله، والرجال الأوفياء في جمع شمل القلوب والأرواح، واستعادة وحدة الأرض التي بقيت تحت جحيم التفرق قرونا طويلة.

إن رحلة النجاح، التي سطرها الملك عبدالعزيز ورجال التوحيد، كانت حدا فاصلا أوقف التراجع الكبير الذي استمر مئات السنين، فكان حدث قيام هذه الدولة المباركة تاريخيا الذي غير الله به واجهة الأحداث في العالم والمنطقة، لتتقدم هذه البلاد نحو صناعة المستقبل والحياة بكل همة ونجاح وتفوق وريادة، وتجعل من كل يوم فرصة ذهبية للتقدم والإنجاز، وتحقيق مستهدفات التنمية الكبرى على جميع الأصعدة الداخلية والخارجية التي تليق بها وبشعبها، في ضوء القيم العليا التي تمثلها عربيا وإسلاميا.

إن إعادة هذه المناسبة سنويا ترسخ الحالة الاحتفائية الروحية لنا جميعا، وتؤكد مشاعر الحب والوفاء في أرواحنا وعقولنا لهوية وتاريخ، وأسلاف عظام، وجذور تمتد في أعماق هذه الأرض، فيغدو هذا اليوم فرصة لنعطي قوة جديدة لذلك الدفق من الدماء في شرايين الأبناء، ليبقى متصلا بالشرايين نفسها القادمة من آلاف الأعوام من الأجداد الذين بنوا مجدا عظيما كريما عبر السنين.

إن اليوم الوطني مناسبة كبرى نبصر بها قنطرة الزمن وهي تصل الماضي بالحاضر، لترسم خارطة طريق المستقبل الزاهر، في ضوء هويتنا وثقافتنا حتى نتقدم في آفاق الحياة بخُطى راسخة على أرض صلبة، تمنحها ثبات المسير وقوة الانطلاق المتوازنة المطمئنة في وثباتها الكبرى في كل الاتجاهات.

إننا عندما ندوزن قصائدنا العشقية لهذه المناسبة السنوية، فإننا ننفذ إليها هذا العام من خلال رؤية عظيمة، نتطلع فيها، قيادة وشعبا، لمرحلة من البناء الحضاري والمدني الذي يرسخ الهوية الوطنية لهذا المجتمع العريق، تاريخا ومَنْبِتاً وثقافة ودينا، وليؤكد تمسكه الكبير بهذه الهوية التي رسمها شعب فريد يثق في نفسه، ويقدم نفسه لكل العالم رائدا للفاعلية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية دون أن يتخلى عن خصوصيته وقيمته الحضارية التي تجعله مهوى الأرواح والقلوب لمئات الملايين من البشر، وليؤكد نفسه قيمة عليا في الوقت نفسه لكل المبادئ الإنسانية التي تحترم الحياة والأحياء، والتي ترجمها من خلال الكثير من الشراكات الدولية، ومن خلال دعم المؤسسات الأممية ومؤسسات العمل الخيري في الداخل والخارج، وعدد واسع من منصات العمل الإنساني الوطني، وإسهامات لا تحصى في تحسين جودة الحياة لجميع البشر، في جهود واضحة تسمو فوق المزايدة، وتتجاوز كل حال إنكار قد تتلبس أعمى بصر أو بصيرة.

حُق لكل واحد اتصل سببه بأسباب هذه البلاد، مواطنا كان أم مقيما، كبيرا أو صغيرا، رجلا أو امرأة، أن يفخر كل الفخر بهذا الوطن، كيانا وإنسانا، قيادة وشعبا، فمن الحسنات العظام للحياة أننا نتفيء ظلاله الوارفة في هذا الزمن الاستثنائي الذي يحترق فيه العالم بجحيم الانفلات والظلم والأوبئة، في حين أننا ننعم في الوقت نفسه بفردوس الدنيا، أمنا واستقرارا وعافية.