في أحد مكاتب وزارة الرياضة بمنطقة ما، ذهب صاحبنا ليتعرف على برنامج «التحول الوطني 2030»، بحكم أن هذا المكتب أحد الجهات المنفذة له، وفور وصوله لمكتب مدير عام هذا المكتب، وإذا به «متقاعد إلا درجة»، إذ كان يبلغ من العمر قرابة الـ60 عاما، فكان حديث صاحبنا لنفسه: «اللي هذا أوله ينعاف تاليه»، فكيف سأعرف عن التحول الوطني الذي يقوم على أفكار وتقنيات وطموح شباب، وهذا «الشايب» هو من يدير المكان بأكمله، فأختصر الحديث بسؤاله: أين يقع القسم المسؤول عن التحول الوطني لديكم؟، فوصف له هذا المدير المكان، وقال له: ماذا تريد منهم، فقد أستطيع خدمتك؟، فرد صاحبنا: لا ياعم أنا أحتاج أسوي بحث عن شىء اسمه التحول الوطني، وأنت الله يعطيك العافية، فأخذ المدير رزمة أوراق مكتوبة بخط اليد، وقال: هذا ملخص سبق أن قمت بتحضيره قبل عام تقريبا عن هذا الموضوع، وقد يفيدك، لأنه مكتوب بطريقة خريطة ذهنية سهلة الفهم والترتيب، فأخذها صاحبنا وبدأ يقرأ وكأنها «حبة الفيتامينات» التي تغنيه عن الوجبة المتكاملة، وما هي إلا لحظات ليعود صاحبنا لهذا «الشايب» مجددا، ليسأله عن السبب الذي جعله يقوم بهذا الأمر، وقبل عام من وصوله فعليا لإدارتهم، فأجابه: لا شىء، ولكنني أحاول ألا أسمع بشىء جديد إلا وأطلع عليه، فهذا البرنامج قد وصلتنا له مسودة مبدئية، للتعريف به، ولخصت منها هذا الأمر فقط.

اتضح لاحقا أن هذا المدير أحد طلاب الهندسة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن قبل 40 عاما، وعلى الرغم من أنه لم يستطع إكمال تعليمه آنذاك، فإنه واصل رحلة الـSelf Education، بل والثقافة الذاتية، فقد يعطيك مختصرات لحسابات المساحات والكميات بـ3 كلمات، ويختصر لك علم الفيزياء في جملتين من الطبيعة من حولك، ويربطها بالعلاقة الكيميائية الموصلة لذلك، حتى إنه يعطي أبناءه وبناته الجامعيين دروسا خصوصية في هذه التخصصات بثقافة «التبسيط» التي يفتقدها بعض الأساتذة هذا اليوم وللأسف. أما في بيئة العمل، فهو متجدد، وما زال يرى نفسه قيد التعليم والتطوير، حتى إنه حصل على ما يزيد على 60 دورة، ربعها على الأقل في السنوات الأخيرة، ومع ذلك سيتقاعد عما قريب.

أما في الجانب الآخر، فقد نجد شابا حصل على خطاب تعيينه للتو في وظيفة حكومية، وكأنه قد حصل على خطاب للتقاعد. وعلى الرغم من أنه كان «فلتة زمانه» في الجامعة، وما بعد الجامعة من استمرارية التطوير لنفسه، فإنه، وفور أن ضمن حصوله على هذه الوظيفة، يطفئ محركات عقله، وما هي إلا فترة قليلة ولن تجده ينجز سوى الأعمال الروتينية وبرتابة قاتلة، تجعله ناقلا لهذه العدوى إلى كل من ينضم لإدارته، ليصبحوا مقرا لمهارات «تطفيش» العملاء والمستفيدين، وتعطيل كل آلية وابتكار وتطوير قد تخدمهم بجودة تختصر الجهد والوقت.

فما بين هذا «الشايب» الذي ما زال عقله في ريعان شبابه، وبين شاب قد أحال عقله للتقاعد المبطن، ليحضر للعمل جسدا بلا روح، وجل همه «قطة الاستراحة» و«معرفة سبب طلاق المشهورة الفلانية»، فهل من الممكن أن يأتي يوما ونسمع عن اختبار للموظفين يحدد «العمر التقاعدي للعقل»؟!.