كثير من كتاب الأعمدة، ينقادون إلى كتابة الفكرة، ثم العنوان. أسير منذ أن كنت صحفياً في هذه الصحيفة الملهمة، عكس هذا المبدأ. العنوان هو الذي يقود لصناعة المحتوى والمضمون، وليس العكس. لذا كلفني التفكير في مقدمة هذا المقال كثيرا من الوقت.

وإن حضر السطر الأول، جاء التالي، فالتالي. لم أكن أعلم كيف يُمكنني أن أبدأ. إلا أن التصور الأساسي المنزوي في العنوان دفعني للقراءة كثيراً، ونخر في عقلي الصغير، كونه يتمحور حول عديد من أشكال وأصناف الأسلحة النووية. والحقيقة وجدت بعضاً من المتعة. أقصد متعة الفكرة. والشعور الداخلي الذي يُنبئ عن مزيد من القوة، والنفوذ، والصوت العالي، وبطاقة الدخول للنادي؛ أقصد النادي النووي.

صحيح أن الدولة في عصرها الحالي، تسابق عقارب الساعة. فالتنمية والمشاريع حاضرة في كل بقعة من هذه الأرض. أرض بلادي العظيمة حماها الله. ومن باب الاستدلال؛ أقطن في قلب العاصمة الجميلة الرياض، وإلى جواري ألاحظ خلال الفترة القليلة الماضية، كثيراً من السحب، ليست الرُكامية المحملة بالأمطار التي تجذب لنا الفرحة؛ إنما «الغبارية».

قدري أن أسكن بمحاذاة مشروع هو الأكبر من نوعه على مستوى العالم. هو حديقة الملك سلمان التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين قبل فترة، لتشكل أكبر حديقة في مدن العالم. وأثق أن ذلك من أفكار الأمير المُحدث محمد بن سلمان. وبناء على هذا الأساس، أتفهم أن الأمر يستحيل بأن يكون اعتباطياً.

أو من باب الرفاهية. أو هدر المال العام. إنما الغرض منه بالدرجة الأولى والكبرى سياسي. كيف؟ كونه سيكون بوابة لرفع تصنيف الرياض على مستوى العواصم العالمية. أنتهي هنا من الحديقة؛ لألج إلى الأحلام التي تسيطر على ذهني، لا سيما وأن المناخ الدولي يُهيئ للتفكير خارج الصندوق. وأعني هنا؛ البحث عن بدائل للعقل النمطي القديم، الذي أكل عليه الدهر وشرب. ما المقصود؟ المقصود هو أن الإرادة السعودية، يجب أن تتجاوز كل الأسقف، لتصل إلى ما يزيد على السقف الطبيعي، وربما أعلى. ومن ذلك الجانب أتساءل ما الذي ينقص دولة تملك كل هذه المقومات، والإرادة الشعبية، وتأييد المجتمع، عن امتلاك سلاح نووي «سلمي الأغراض»، من شأنه العلو بثقلها لأكثر مما هو عليه، لمقارعة عظمى دول العالم.

قد يقول قائل؛ ما الفوائد على الصعيد السياسي والاجتماعي. وهذا استفهام مشروع. الفائدة في نظري بالدرجة الأولى وقطع الطريق على فرض منطق القوة من قبل بعض دول الإقليم المهزوزة على الصعيد الداخلي والخارجي. كإيران على سبيل المثال. ومن ثم وذلك أهم، فإن امتلاك سلاح نووي سعودي، سيمنح المنطقة توازنا استراتيجيا مفقودا من الناحية العسكرية. وهذا حتماً سيعود على دول الإقليم بمزيد من الرصانة التي ستنعكس على هدوء العلاقات فيما بينها.

ومن هذا الجانب؛ أعتقد أن ولاية الفقيه؛ يمكنها أن تمنحنا في المملكة خدمة العمر. ما هي؟ تمهيد الطريق لامتلاك القوة النووية «السلمية»، وانتظار اكتشاف المزيد من الأدلة على هشاشة المجتمع الدولي، بدوله الكبرى التي لطالما كرست لمفهوم أنها عظمى، إنما مع الوقت اكتشف الجميع أنها تعاني من ترهلات في المفاهيم السياسية لا يُمكن علاجها.

ويمكن الأخذ بالتجربة الباكستانية الهندية، التي فتحت المجال لموازاة السلاح بالسلاح، ولم تكُن فرصة لفتح المجال للسباق النووي. فلك أن تتخيل أن الهند امتلكت منفردة سلاحاً نووياً، دون باكستان، أو العكس، كيف ستؤول إليه الأمور.

بطبيعة الحال ستتحول إلى كتلة نار تنتظر سكب الزيت عليها. إن التغاضي الغربي عن طهران رغم من إرهابها، ونبذها وجود الآخر وعلى رأسه الغرب، من شأنه أن يحولها من «نمرٍ ورقي»، إلى قطٍ صغير ذي مخالب مسمومة، وذلك سيمنحها المزيد من استغلال فرص التخريب، الذي قد يصل يوماً ما إلى اللجوء لاستخدام سلاحٍ فتّاك.

ويجب التذكير هنا بالشعار الإيراني الشهير «الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل»، الذي يعتبر إعلان عدائية يمكن فرضها على غير تلك الدولتين، كدول الإقليم القريب على سبيل المثال، التي تمثل المملكة رأس حربة اعتداله.

ومن هذا المنطلق أجد أن عامل خلق توازن في القوى بالمنطقة، يمنح الفرصة للمملكة العربية السعودية لامتلاك سلاح «توازن إقليمي نووي»، دون تخل عن المسؤولية الأخلاقية التي تستطيع أن تتحملها دولة مثل المملكة، معهود عنها علو القدم في التروي والحلم وعدم الانفعالية في ردود الأفعال، واعتباره سلاح ردع، استناداً على أن المفاهيم الاستراتيجية السعودية لم تكن يوماً ما عدائية، إنما صارمة بمواجهة الاعتداء عليها، أو على شبر من أراضيها، وذلك ما تم توارثه منذ أيام مؤسس وموحد الدولة الملك عبد العزيز– طيب الله ثراه. أعتقد أن الضرورة باتت حتمية في التفكير بأمرين.

الأول: مشروعية الامتلاك- أي امتلاك السلاح النووي- لوجود طرف غير موثوق به في المنطقة، ويخدم ذلك الثبات السياسي، المعروف عن المملكة.

الثاني: الأهمية التي تُجسدها السعودية بالنسبة للعالم. وهنا يمكن تجزئة تلك الأهمية لعدة أجزاء؛ دينية، وأقصد بذلك ما تمثله المملكة من اعتدالٍ ديني يفترض التعايش والسلم مع الآخر، وليس إيران؛ بشعاراتها التي تُعزز الأحقاد والبحث عن ثارات دماءٍ مضى عليها أكثر من ألف وأربع مائة عام. واقتصادية باعتبارها القلب النابض للطاقة العالمية.

واجتماعية لكون المجتمع السعودي مجتمعا واعيا، وذا تأثير على مستوى أرجاء المعمورة.

إن الآمال والتطلعات التي يحلم بها شعب دولة كبرى اسمها المملكة العربية السعودية، بقيادة شاب شغوف بتحويل مسار السفينة ليتناسب مع طموحاته المتوافقة مع أحلام مواطنيه، يستدعي التفكير بجدية وبعيداً عن الإسراف في العاطفة، الانضمام للنادي النووي.

فما أجمل بطاقة النادي. نادي الكبار، ونحن لسنا صغارا. لذا نريدها نووية يا محمد بن سلمان. والسلام.