استمتعت جداً في اللقاء الذي أذيع الأسبوع الماضي مع الفريق الأول محمد بن حمدان البقمي، المرافق الشخصي للملك فهد، شدتني التفاصيل التي حكاها في اليوم الذي قتل فيه الملك فيصل، توقفت عند النقطة التي قال فيها، إن الملك فهد بطبيعته شخص أمني من الدرجة الأولى. والحقيقة أنني أعتقد أن الوصف الأمثل الذي يمكن إطلاقه عليه، هو أنه رجلٌ حذر، ويحسب حساب تصرفاته، ويفكر بشكل جيد فيما يقدم عليه من خطوات.

الحذر، والتأني، وعدم الاندفاع، كلها صفات تتكون في شخصية رجل الجزيرة العربية، وخصوصاً البدو منهم، والذين تعودوا على مفاجآت الحياة وشظف عيشها. والتي متى ما حدثت، فإنهم يكونون فيها متحفزين وجاهزين ومدركين لما هم فيه، وبالتالي يقررون بسرعة بديهة كيف يتصرفون.

قرأت السيرة الذاتية لإبراهيم الحسون، والتي يستمتع بعض القراء بوصفها أنها أهم سيرة ذاتية سعودية، تقع السيرة في نحو أربعة مجلدات من القطع المتوسط، ويربو عدد صفحاتها على الألف وسبعمائة صفحة. بعد أن انتهيت من قراءتها، أول ما طرأ في ذهني عن هذا الرجل، هو أنه رجل حذر جداً في تصرفاته وأفعاله. ونتيجة لهذا الحذر جاءت غالبية قراراته التي عاش بها حياته الطويلة فيها شيء كبير من الحكمة وحسن التصرف.

الحذر طبيعة البادية، وإن قلّت نوعاً ما في الأجيال المتأخرة بحسب تصوري نتيجة للمدنية التي عشناها، إلا أنها لا تزال طبيعة متجذرة في نفوس الناس، وعليه فلا تتعجب إن رأيت من أحدهم يوما ما يثير استغرابك من تحفظ أو تغير أو تراجع في قرار اتخذه في لحظة طارئة.

يذكر الدكتور زهير السباعي أنه في بحثه لدرجة الدكتوراه وضع العينة التي يرغب في إجراء البحث عليها من الأطفال الصغار في مدينة تربة. يقول: مرة من المرات زرت أبناء بادية من بوادي تربة، وعندما انتهيت من تسجيل عدد الأطفال في كل بيت شعر مع أعمارهم وأسمائهم، وبعد أن سجلت حوالي معلومات أكثر من ثلاثين طفل، أخذت مكاني في صدر الخيمة، وبعد أن صبوا لي القهوة وقدموا لي التمر، بدأ الرجال يتناظرون فيما بينهم ويتهامسون، ثم التفت إلي شيخهم وقال «اسمع يا زهير، يبدو أنك ابن حلال، وترى ما حنا مخوّنينك (لا نتهمك بالخيانة) أنت إن شاء الله منا وفينا، وترى ليس هناك ولا اسم من الأسماء اللي ذكرناها لك صحيح، وهاك الأسماء الصحيحة»، ثم يعقّب على هذه الحادثة، ويقول: إن البدوي يتمتع بذكاء فطري، وقد علمته الصحراء الحذر، وإن هؤلاء الرجال لم تطمئن نفوسهم لهذا الغريب إلا بعد ساعة من زمن، وبعد أن أصبح بينهم وبينه قهوة وتمر.

ما الذي أريد أن أصل إليه في هذه المقالة؟ أريد أن أقول إنه، يتوجب عليك أن تكون حذراً في تصرفاتك وفي توقعاتك وفي آمالك. وعليك ألا تثق الثقة العمياء في كل من يقابلك بالحياة، وإذا وثقت فجرب وامتحن وتفحّص وراقب نتائج وآثار ثقتك.