يكثر الخلط بين مفهومي سلطة القيادة ومسؤولياتها رغم وضوح الفرق بينهما، ويمكن تبرير ذلك باقترانها المتبادل، فالقائد يحدد مسؤلياته بمقدار سلطته، ويمارس سلطته لأداء مسؤولياته في تبادل حلقي ليس له نقطة ارتكاز.

ولتوضيح الفرق بينهما، فإن المسؤولية هي أمر واجب الأداء ويرتهن بها النجاح في القيادة، بينما تعد السلطة أداة مساهمة يفضل استخدامها باعتدال للقيام بالعمل، وهنا مربط الفرس.

عندما يخلط القادة بين السلطة والمسؤولية، تصبح السلطة تعسفاً والمسؤولية حجة، أو تكون المسؤولية تهمة والسلطة مسلوبة، وكليهما لا يأتي بخير، فالأولى توقع ظلما وتورث وهنا، والأخرى لا تمنع ظلما ولا ترفع وهنا.

وفي الفيزياء، تعرّف القوة بأنها معدل القيام بشغل، وتتطلب حركة في العالم الفيزيائي بأبعاده الزمانية والمكانية حتى تحدث أثراً وتحقق تغييراً يعكس مقدارها واتجاهها، وفي عالم الأعمال، تتشابه الأمور إلى حد كبير، فالقوة مطلوبة بقدر ما يحقق المرغوب كماً ونوعا، فإن قصرت عن المستوى قل حجم المخرج، وإذا زادت عن ضعفت جودته.

يقول الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور «المهارة تصيب هدفا لا يمكن لأحد أن يصيبه، أما العبقرية فتصيب هدفا لا يمكن لأحد أن يراه»، فالقائد الماهر يصيب مستوى القوة المطلوب لتحقيق الهدف الصعب، بينما يصيب القائد العبقري مستوى القوة المطلوب لتحقيق الهدف المستحيل.

من جهة أخرى، تشير المسؤولية إلى نوع من الحصانة الذاتية والقيمة المحاسبية، التي تعكس نضج القائد وثقته بنفسه، إضافة إلى ثقته بأتباعه والاتكال عليهم لأداء العمل وتحقيق المطلوب، فهي لب القيادة ومحركها، وضمان استقامتها وسلامتها.

وبين الفينة والأخرى، تظهر تلك القناعات الفانية بأن القيادة دور يمكن لأي شخص أن يتقمصه، وكل ما عليه أن يجيد تمثيل الدور ويحافظ على هيبته ورونقه وجاذبيته حتى لو اضطر لمخالفة فطرة فطره الله عليها. لذلك نرى أولئك القادة العجاف يعيشون حالة من الفصام كالتي تمر بالممثلين المنهجيين الذين يجدون صعوبة في التخلص من طباع الشخصيات التي يمثلونها.

القيادة شخصية متكاملة، تسوسها قيمٌ ملهمة، وتدفعها همة عالية، لا يملك النجاح فيها إلا من صدق مع نفسه، وتجرد من هواه ونزواته، وكشف صدره للناس وتقدمهم في المغارم وتأخر عنهم في المغانم، وأعطى الفضل ومنع المنة، وأنصف من نفسه قبل أن ينصف بين الناس.

وتتجه المملكة تحت قيادتها الرشيدة نحو رؤيتها العظيمة متسلحة بما يعزز مسؤولية أجهزتها القيادية، واستخدامها لسلطاتها باعتدال وفعالية، وذلك عبر تأسيس مبدأين هامين هما الشفافية والمحاسبية في جميع المؤسسات الوطنية، حكومية كانت أم خاصة أو تتبع القطاع الثالث.

وتبرز أشكال الشفافية في توجه الدولة نحو تطبيق التخطيط الإستراتيجي وحوكمة الخطط التشغيلية عبر مؤشرات أداء تنبئ عن مقدرة القادة على القيام بمسؤولياتهم بعد تحديدها ورسم ملامحها، كما تبرز أيضاً في توجه أجهزة الدولة للإفصاح عن لوائحها وإجراءاتها وممتلكاتها وأنظمتها ومواردها المالية والبشرية، لتكون مسؤلياتها علما مشاعاً في المجتمع ليس فيها مواربة أو غموض.

من جهة أخرى، تظهر مبادئ المحاسبية في الحملات الوطنية لمحاربة الفساد، وترشيد الإنفاق، والقضاء المستقل، ورفع الحصانة، مما يعزز الاستخدام الصحيح للسلطة دون تفريط أو إفراط.

كما تظهر المحاسبية في جرأة القرارات العليا والتي شملت جميع أركان الوطن، والتي بنيت على المصلحة العامة كأساس جوهري، ثم المصلحة الخاصة على ألا تتعارض ولو نزرا يسيرا مع المصلحة العامة، وإذا وقع التعارض فلا مكان لأي مصلحة فوق مصلحة الوطن مهما عظمت.

واختتم مقالي بحديث أبي ذر- رضي الله عنه- حيث قال لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! ألا تـستعملني؟ قـال: فضـربَ بيده على منكبي، ثم قال: «يا أبا ذر! إنك ضعيف وإنها أمانةٌ، وإنها يوم القيامة خـزيٌ وندامةٌ إلا مـن أخذها بحـقِّها وأدَّى الذي عليه فيها» رواه مسلم.