كانت النظرة للأوطان بما تملكها من أشياء ملموسة ومرئية، كمساحة جغرافية وبحار وجبال وثروات بترولية ومعدنية، ورغم أهمية هذه الأشياء إلا أن قوة الأوطان لهذا العصر، تكمن فيما يملكه الوطن من أفكار ومفاهيم، وأنظمة وتقنية متقدمة وقوى بشرية.

ولهذا فإن معظم الأوطان تعيش تحولا في أساليب صناعة القوة والتقدم، من خلال التركيز على المستقبل بدلا من العيش على أطلال الماضي وهامش الذكريات. ومع عيد الوطن نجد أنفسنا قد تحصّنا بمفاهيم الوطنية وأدواتها، واستطاع غالبية الشعب أن يتجاوز ذلك الإرباك في أن يكون الوطن هو الأولوية في كل مجال وفي كل فكرة. مع عيد الوطن أصبحنا قادرين على تمييز الأصدقاء والأعداء، ولم تعد تلك الشعارات الرنانة كالقومية والطائفية والقبلية، تؤثر في عقولنا وقلوبنا التي أصبحت تؤمن أنه لا شيء يعدل الوطن. مع عيد الوطن انكشفت كل المخططات وكل الشرور التي تحيط بنا، وكان لزاما مواجهتها وعدم تجاهلها أو غض الطرف عنها. مع عيد الوطن عرفنا المواطنة الحقيقية، وأنها ليست مجرد شعارات أو عبارات تكتب، وإنما أمانة في الأعناق ودماء وأنفس تبذل في الدفاع عن الوطن، ورؤية لمستقبل أفضل للأولاد والأحفاد.

إن تعريف الوطنية البسيط أنها ذلك المعنى للتفاني من أجل الوطن، لتنشأ عاطفة وانتماء تلهم ذلك المواطن، بما ينبغي له أن يقدِّمه لوطنه في كل المجالات، ثم بعد ذلك تتكون حالة الانتماء القصوى، التي تجعل الفرد على استعداد كامل، للتضحية من أجل الوطن ومن أجل المجتمع وتقدمه.

ورغم أهمية المبادرات التي نقدمها في عيد الوطن، إلا أن إظهار ذلك الحب لا يقتصر على تاريخ بعينه بل هو عشق داخلي، يجعل الفرد يشعر بالفخر والاعتزاز لانتمائه لهذا الوطن، فيظهر في التغني بنشيده والدفاع عن قادته والإيمان بتوجهاته وقراراته وعدم التأثر بالآراء المناوئة له، بل ويتجاوز إلى تغذية الأجيال القادمة بهذا الانتماء والحب، فحب الوطن يجب أن يتم توريثه كما هو حال تلك الجينات التي تنتقل من جيل إلى آخر.

مع عيد الوطن نستذكر أولئك الذين تخاذلوا في حب الوطن، وسَخَّروا كثيرا من الأوهام والأفكار للتشكيك في مفهوم المواطنة، ولكنهم لم يصمدوا أمام قوة الوطن وروح محبيه، تلك الروح التي أصبحت قادرة على التمييز بين التفاعل الحقيقي والزائف.

ولعلنا نستذكر مقولة الأديب الأمريكي مارك توين، والذي يصف حال من خان الوطن، واستقر خارج حدوده، ثم تغنى بحبه وحنينه، يقول مارك توين «لا تنخدعوا بنظرات الحنين الزائفة في وجه من يتظاهر بالوطنية».

مع عيد الوطن ما زال الحب والانتماء الجارف لهذا الوطن يزداد ويتنامى، وهو ليس حبا أعمى، بل حب بصير عاقل رأى العيوب وعالجها، وأبصر الهفوات وأصلحها، واستبصر المستقبل وسعى إليه، واستهدف جودة الحياة وحقق الكثير منها.

وأخيرا، إن صلاح وإصلاح الوطن يبدأ من الفرد، والذي يجب أن يكون عاقلا ومتوازنا ومخلصا، ومؤمنا بأن الماضي والحاضر والمستقبل، هو الوطن الذي أعطانا ولا يزال يعطينا الكثير.

وكل عام والوطن بخير.