في فيلم (آسف ع الإزعاج) لأحمد حلمي ومحمود حميدة والراحلة دلال عبدالعزيز، كان أحمد حلمي يعتقد أن الناس يتآمرون عليه، وكل منهم يكن له الضغينة والحقد والبغضاء، فكان يعود لأبيه (محمود حميدة) كل يوم ليخبره عمن تهجم عليه هذا اليوم ونوى قتله و... و...، مما جعل أحمد حلمي يخسر وظيفته ويدخل في حالة انطوائية، جعلته يراسل الرئاسة المصرية بخطابات شبه يوميه لأنه يعتقد أن لديه موهبة فذة، ولكن الناس «ما خلوا حد في حاله»، حتى طلب منه أبوه ذات يوم، أن يصور الناس بفيديو الجوال أثناء تهجمهم عليه، وأن يعيد هذا المشهد بعد أن يهدأ من هذه الحادثة المتكررة ويدقق في المشهد، وهل بالفعل أنهم قاموا بما كان يشعر به أثناء تعامله معهم، وتفاجأ أنه من كان يضخم الأمور.

هذا المشهد المختصر قد يكون سبب دمار نصف علاقاتنا على الأقل، فبمجرد أن يسوء ظني بأحدهم، وأعتقد أنه يحيك لي في الخفاء شيئا، ويبدأ بمراسلتي حتى وإن كان يطلب مني معلومة عن تعداد الصين، لتوقعت أنه يريد في عمق قلبه أن يدعو علي بعددهم، وإن سألني عن سبب ثقب الأوزون لتوقعت أنه يريد أن يبلغ عني قوات حلف الناتو، وإن قال لي صباح الورد والياسمين لظننت أنه قد افتتح محلا للورد ويريد أن «يجرجرني» بهذه الحركات التسويقية، المهم أنه يحيك لي شيئا في الخفاء، وبالتأكيد أنني سأعرفه يومًا.

من كان يعتقد أن ما ذكر أعلاه مجرد نسج من الخيال فعليه أن يعود لأي محادثة في هاتفه كانت سبب «فرقة» بينه وبين أحدهم، ويعود للمحادثة وهو «بمزاج رايق»، سيكتشف أن هناك جُملا بأكلمها لم تتم قراءتها، فالدماغ حينها مشغول بالبحث عما يثبت صحة توجهه، فإن كان الدماغ يعتقد أن الشخص المقابل «محقق» فسيتصور كل كلمة على أنها تحقيق، وإن كان الطرف الآخر «مفلس» فستكون أغلب هذه المحادثة تفهم على أنها طلب «للسلف»، وبالمقابل فإن كان هناك زوج ينظر لزوجته على أنها محل خيانة، فستكون المحادثة كلها كذلك، حتى تصل بالزوج أو الزوجة لطلب الطلاق وهم «كل واحد في ديرة»، رغم أن تأثيرات نبرة الصوت وفتحة العين واللغة الجسدية من الأمور التي قد تغير سوء الظن إلى حسن ظن لأنها تظهر الحقيقة وليس شاشة صماء، وقد نجد مديرًا قد أحرق موظفًا تحت إدارته لأن شعلة النشاط التي تجعله يعمل بشغف قد فهمت على أنها محاولة من ذلك الشاب لإسقاط ذلك المدير الذي يفهم أن كل حركة هي ضده وليست لتحسين بيئة العمل في إدارته، فما بين بيوت أغلقت ووظائف عطلت وعقول هجرت بسبب بعض تصرفاتنا التي تنبع من ظنوننا وليست من وقائع أمامنا، فلنبدأ بأنفسنا وفي كل مرة نعمل ببيت القصيد لخالد عبدالرحمن والذي بدأه بـ(ظن.. كفى سوء ظن).