على امتداد العالم، من أقصاه إلى أقصاه، بدا الأمر وكأنما هناك من يشعل أعواد ثقاب الحرائق، مع حرصه على ألا تنطفئ هنا إلا وقد استعرت هناك، حيث تدحرجت تلك الحرائق فوق خريطة العالم، فاندلعت في ألاسكا وكاليفورنيا الأمريكيتين، واستعرت كذلك في أمريكا اللاتينية فولعت غابات الأمازون، وانتقلت إلى إفريقيا فاشتعلت الحرائق في الكونغو، ناهيك عن حرائق أوروبا التي استعرت في اليونان، كما وصلت حتى روسيا أحد أكثر بلدان العالم برودة.

وإذا كان البشر جزءا مهما من أسباب اندلاع حرائق الغابات، فإن أسبابا أخرى تعاضدهم بدورها لإشعالها وتأجيجيها.

وعربيا، لم تكن دولنا خارج هذا الدمار المستعر، فعانت تونس من آثار الحرائق التي حولت أشجار زيتونها إلى حطام، وكذلك «الجزائر» التي دخلت حربًا مفتوحة لإخماد النيران وسط ارتفاع أعداد الضحايا، بعدما شهدت المناطق الواقعة شرق الجزائر حرائق كبيرة التهمت عشرات الهكتارات، بخاصة في منطقة الأوراس.

ولم يتوقف الأمر عن الشمال الإفريقي العربي، بل عانت سورية ولبنان حرائق عدة.

وعلى المستوى المحلي، شهد القطاع الجنوبي الغربي للسعودية حرائق عدة خلال العامين الأخيرين تدخلت فرق الإطفاء والدفاع المدني وحتى المتطوعين وبذلت جهودا ضخمة لإيقاف تمددها وتضييق دائرة الخسائر التي تسببت فيها.

هذه السلسلة الطويلة من الحرائق، استوجبت إيجاد الحلول، واستنساخ التجارب الناجحة للتعامل معها، والحد من أضرارها، خصوصا أنها تساعد على انتشار الأوبئة وتهدد الموائل الطبيعية للأنواع البرية وتؤدي لـ«فقدان التنوع البيولوجي» الذي يترتب عليه مخاطر كبيرة على البشرية بما في ذلك انهيار الغذاء والصحة.

تكاليف كبيرة

جعلت حرائق الغابات القياسية في الولايات المتحدة 2020 عامًا مكلفًا للغاية، فقد بلغت التكلفة العالمية المباشرة لحرائق الغابات في عام 2020 نحو 17 مليار دولار. واحتل هذا العام 2020 المرتبة الخامسة كأغلى عام بالنسبة للخطر بعد 2017 و2018 و2015 (الحرائق الإندونيسية الكبرى) و2010 (الحرائق الروسية الكبرى).

حرائق عامي 2019-2020

في 19 أغسطس 2019، انفجر الدخان الناتج عن حرائق غابات الأمازون، واختلط بسحب منخفضة، وتحول النهار إلى ليل في ساو باولو البرازيلية، وعلى بعد آلاف الأميال أكدت صور الأقمار الصناعية أن أجزاء كبيرة من أكبر غابة مطيرة في العالم تحترق.

في أوائل يناير 2020، ظهرت صور مماثلة من أستراليا، أظلمت مساحات من الدخان سماء سيدني وملبورن وكانبيرا، جرفت فوق المحيط الهادي حتى العاصمة الأرجنتينية بوينس أيرس.

اشتعلت النيران في آلاف الأفدنة من غابات أستراليا «هذه الكوارث البيئية جعلت العالم ينتبه حقًا»، تقول كاثرين بلانكارد من الصندوق العالمي للطبيعة، متابعة «كان الضرر غير عادي».

قد تكون حرائق 2020 أسوأ من عام 2019، وفقًا لتقارير الصندوق العالمي للطبيعة، حيث أظهر تحليل من WWF وBoston Consulting Group (BCG) أن عدد تنبيهات الحرائق في جميع أنحاء العالم، اعتبارا من أبريل 2020، ارتفع بنسبة 13% مقارنة بالعام الماضي.

خبراء قرروا أن استمرار الطقس الأكثر سخونة وجفافا بسبب تغير المناخ وإزالة الغابات الناجمين بشكل أساسي عن تحويل الأراضي للزراعة هي الدوافع الرئيسة.

التنبؤ بالحرائق

دفعت الحرائق المتكررة فريقا من الباحثين لإجراء عمليات محاكاة حاسوبية يمكنها التنبؤ بانتشار حرائق الغابات بهدف «تحسين فهمنا وإدارتنا لسلوك حرائق الغابات» وتشمل المحاكاة نمذجة لتكوين السحب وهطول الأمطار، الذي يمكن أن ينتج عن إطلاق بخار الماء من الغطاء النباتي المحترق، إضافة إلى استخدام صور الأقمار الصناعية لحرائق الغابات الحقيقية، وفق ما ذكرته الورقة البحثية التي حملت عنوان «حريق في باردايس»

وتحت عنوان «قدرة غابات الأمازون على امتصاص الكربون تتراجع»، أشار تقرير صدر عن مجلة (للعلم) إلى دراسة أعدها فريق دولي من الجغرافيين وخبراء البيئة، حذروا فيها من أن «زيادة وتيرة إزالة الغابات والتغير المناخي قد تهدد قدرة غابات الأمازون المطيرة على امتصاص الكربون من الغلاف الجوي وتخزينه»

كما خلص التقرير إلى أن «الإجهاد الذي يلحق بالنظم البيئية المحلية- نتيجة إزالة الغابات وموسم الجفاف، وزيادة حدوث الحرائق- قد يكون مسؤولًا عن هذه الانبعاثات الكربونية المرتفعة في شرق الأمازون، وهو ما قد تكون له عواقب بيئية سلبية دائمة على كل من توازن الكربون في المنطقة وهشاشة نظمها البيئية».

كما نشرت المجلة نفسها تقريرا آخر حمل عنوان «استهلاك الدول الغنية للمنتجات الزراعية يحفز إزالة الغابات في البلدان النامية»، تناول فيه نتائج دراسة نشرتها دورية «إيكولوجي أند إيفولوشن»، وأجراها باحثون من جامعة «كيوتو» اليابانية، محذرا من أن «استهلاك الدول الصناعية لمنتجات الغابات الاستوائية في دول مجموعة السبع الصناعية الكبرى يمثل خسارة متوسطة تبلغ 3.9 شجرات للفرد في السنة».

أوضح التقرير أن «الغابات تؤدي عددًا من الخدمات البيئية المهمة، مثل عزل الكربون وتخزينه وحماية التنوع البيولوجي، فضلًا عن صيانة النظام البيئي من خلال الأشجار التي تُعد إزالتها أحد أهم مصادر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، كما تمثل أشجار المانجروف 0.7% من إجمالي الغابات الاستوائية في العالم، وتتمتع غابات المانجروف بنظام إيكولوجي فريد يُسهم في حماية السواحل، إذ تعمل كمنطقة عازلة تحمي الأرض من أضرار الرياح والأمواج، وتحول دون تسرب المياه المالحة إلى المياه الجوفية، كما تحد من وطأة تغير المناخ؛ إذ تحتجز نحو 75 مليار طن من الكربون، وتؤوي العديد من الحيوانات البرية والبحرية».

حرائق عالمية

ألاسكا

2019 ـ هددت الحرائق الضخمة في ألاسكا الموائل المهمة بيئيا التي تعد موطنًا لأنواع مثل الوعل والسلمون، ما هدد الأمن الغذائي والبنية التحتية والصحة والهوية الثقافية للناس في جميع أنحاء القطب الشمالي.

كاليفورنيا

شهدت كاليفورنيا في السنوات الأخيرة بعضا من أسوأ مواسم حرائق الغابات في تاريخها.

الأمازون

بلغ عدد الحرائق الفردية المشتعلة في منطقة الأمازون ذروته عند 30901 في أغسطس 2019، أي ما يقرب من 3 أضعاف ما كان عليه في نفس الوقت من العام السابق. كان معظمها من صنع الإنسان.

الكونجو الديمقراطية

في حوض الكونجو يبدأ بعض الحرائق بشكل طبيعي، أما البعض الآخر فيبدأ عن عمد من قبل المزارعين لتطهير الأرض للزراعة وتحسين الغلاتما ما أدى على مدى أجيال لارتفاع درجات الحرارة والجفاف.

روسيا

واجهت روسيا مشاكل خطيرة مع حرائق الغابات معظمها من صنع الإنسان، وتحدث بالقرب من المستوطنات والأراضي الزراعية والطرق ومواقع قطع الأشجار ومواقع التعدين.

أستراليا

من عام 2019 إلى عام 2020، شهدت أستراليا أحد أكثر مواسم حرائق الغابات كارثية على الإطلاق.

إندونيسيا

يتم إشعال معظم حرائق الغابات بشكل غير قانوني لتطهير الأراضي لزراعة المطاط ونخيل الزيت وسلع ثمينة أخرى، لكن ما يشعل عمدا يمكنه أن تخرج عن نطاق السيطرة بسرعة.

آثار حرائق الغابات

سبل العيش

يمكن أن تؤدي حرائق الغابات إلى حرق الأخشاب، مما يؤثر سلبا على الإنتاج الزراعي.

الصحة

من الخطورة استنشاق دخان الخشب الذي يحتوي على مستويات عالية من الجسيمات والسموم.

التعافي

تستغرق جهود إعادة بناء سبل العيش والبنية التحتية المفقودة واستعادة جودة المياه وإعادة تأهيل الحياة البرية والموائل عقودا وتكلف الملايين.

تغير المناخ

تنبعث من الحرائق ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى التي تضر بجودة الهواء وتساهم في أزمة المناخ.

التنوع البيولوجي

تؤثر الحرائق على الحياة البرية، بخاصة في المناطق التي لا تكون فيها الحرائق جزءًا طبيعيًا من النظام البيئي أو حيث تشتعل الحرائق بدرجة حرارة أعلى مما يمكن للنظام البيئي التعامل معه.

ممارسات عالمية لإدارة الحرائق

تقوم الممارسات العالمية لإدارة الحرائق على 4 أركان رئيسة: المنع والتأهب والاكتشاف المبكر والتدخل السريع.

المنع

نظام يمكنه المساعدة على منع حدوث الحرائق وتكتمل الجهود المبذولة لمكافحة الحرائق ببرنامج زراعة حراجية يهدف إلى تزويد المجتمعات المحلية بأشكال بديلة لسبل العيش للحد من اعتمادها على الغابات في المقام الأول، وتعزيز أساليب الزراعة الصديقة للبيئة التي لا تتبع طرق القطع والحرق لتنظيف الأرض، ويقوم على التثقيف وتقديم المساعدة الفنية والمالية لاستيعاب تلك الطرق والأساليب والعمل مع المجتمعات المحلية لتقوية مجالس مكافحة الحرائق المحلية المعروفة لتمكينها من تأدية أدوار أكبر في منع الحرائق، بما في ذلك تسيير مزيد من الدوريات الأرضية المنتظمة، ومكافأة مجالس مكافحة الحرائق المحلية التي تنجح في القضاء التام على الحرائق في غاباتها بالحصول على حوافز نقدية شهرية أيضا، ووضع حواجز في القنوات المائية المحيطة التي شهدت ارتفاعًا في مناسيب المياه بالمناطق شديدة الخطورة، لمنع انتشار الحرائق وللاستفادة منها أيضًا كمصدر للمياه في حالة نشوب حريق.

التدخل السريع

لتعزيز الجهود على الأرض وتكملة التدريب المتوفر في نظام السيطرة على الحوادث تتم الاستجابة لحوادث الحرائق بالتنسيق مع جهود مكافحة الحرائق من الأرض والجو ويتم الاستعانة بطائرات مروحية تحمل كميات كبيرة من المياه للتدخل السريع وإعطاء وقت إضافي للقوات الأرضية للوصول إلى الحريق.

التأهب

الاستعداد برجال الإطفاء والمروحيات المتوسطة وكبيرة السعة ووضعها على أهبة الاستعداد لرش المياه حال نشوب حريق وتدريب هذه القوة المعنية بمكافحة الحرائق باتباع أفضل الممارسات العالمية لشحذ القدرات المهنية وبناء الثقة قبل بدء مواسم الجفاف أو الحرائق، والاستعانة بخبراء دوليين في إدارة الحرائق لتقديم التدريب على نظام السيطرة على الحوادث؛ إذ تأتي تلك الخطوة استكمالاً لتطوير القدرات الفردية والجماعية من أجل التأكيد على أهمية تنسيق جهود مكافحة الحرائق من الأرض والجو.

الاكتشاف المبكر

إجراء تجارب تصوير حراري لتعزيز قدرات الاكتشاف المبكر للحرائق. وتتميز بيانات التصوير الحراري بأنها أدق بكثير من صور الأقمار الصناعية، وتتمتع بدقة أرضية تستطيع من خلالها تحديد موضع الحريق في نطاق 50 مترًا من موضعه الحقيقي على الأرض مع استخدام طائرات مجهَّزة بكاميرات حرارية لالتقاط البيانات ونقلها إلى أطقم العمل في المقار الرئيسة ومواقع الأعمال الميدانية في غضون 15 دقيقة، كما تبقى المراقبة على الأرض الأسلوب الأمثل لاكتشاف الحرائق، وتسيير دوريات لمكافحة الحرائق للقيام بجولات منتظمة. وتسترشد في أعمالها بالمعلومات المقدَّمة من إدارات تصنيف أخطار الحرائق للأرصاد الجوية وعلم المناخ والجيوفيزياء. ويعتمد تكرار الدوريات على مستوى خطر الحريق في كل منطقة محددة لكل دورية.