لم تنجح عجلة الحياة المتسارعة والمتغيرة في تجريد الشماليين (شمال المملكة) من عادتهم القيمة والجميلة والتي تسمى «النزالة» والتي تكيفت مع تغير الواقع والنسق الجديد للحياة، لكنها بقيت واحدة من أجمل العادات التي يحرص أهل الشمال عليها.

و«النزالة» هي طعام يطبخ ويقدم للجار الجديد عندما ينزل بجوار أحد المنازل، وكانت عادة معروفة في البادية الشمالية، حيث يقوم أهل البيت بطهي الطعام وتجهيزه والذي كان يتكون من الأرز «التمن» ويوضع عليه السمن البري والدبس والزبد والخاثر (اللبن)، ثم يرسله صاحب البيت إلى بيت جاره الجديد عن طريق أهله من النساء لكي يتم توصيله للجار الجديد، الذي يكون قد انتهى للتو من بناء بيته وعانى وأهله من النصب والتعب ومشقة السفر والترحال وبناء المنزل الذي يتكون عادة من بيت الشعر وملحقاته من الرواق وبعض الأعمدة ومحتويات المنزل، والجار الجديد هو الذي يقوم بدعوة من يريد من الناس على ما وصله من النزالة، ولا يتدخل صاحب النزالة أو العزيمة بدعوة الضيوف.

انسجام مع التغيير

استمرت هذه العادة الشمالية القيمة والجميلة وهذا الكرم الشمالي حديثًا، ولكن بسياق ونسق وثوب جديد، حيث ينتظر صاحب البيت المقيم حتى ينتهي جاره الجديد من بناء بيته، وبعد أن يسكنه يقوم بدعوته وأهله إلى تناول الطعام حيث يقوم بذبح خروف أو خروفين كل على حسب قدرته، ويجمع عليها بعض الجيران والأصدقاء، وهو المعني بالدعوة ولا يتدخل الضيف الجار بذلك.

يقول يوسف الحميدي «كانت النزالة تقدم للجار الجديد إما على شكل طعام مطبوخ يرسل للجار الجديد، وهو يدعو له من يشاء، أو على شكل إرسال الذبيحة إلى المنزل، ويقوم الجار الجديد بالطهي والإعداد، وكلتا الحالتين مستمرتان حتى وقتنا الحالي»، ويشير إلى أن «هذه العادة من الأشياء الجميلة التي تساعد على ترابط المجتمع وتلاحمه».

ويضيف عبدالله رمثان أن «النزالة عادة جميلة توارثها الآباء عن الأجداد في تكريم الجار الجديد، وتساعد كثيرًا على التلاحم والتكاتف، وما تزال موجودة في كثير من المناطق في السعودية، ونحن في حينا ـ حي الجوهرة في مدينة عرعر ـ نقيم النزالة ونفعلها بشكل جماعي من أهل الحي للجار الجديد من باب التكريم له ولأسرته».

تطور العلاقة

يقول الشاعر سالم رحيل اليابس إن «النزالة من العادات الاجتماعية المحمودة لدى الناس، وخاصة في مجتمعاتنا، وما زالت موجودة في منطقة الشمال ولو بشكل محدود، أما بالهجر والقرى فهي شيء ثابت، وما زالوا متمسكين بها، وهي وسيلة من وسائل التواصل فعندما تكرم جارك بمناسبة وتقدير، فمن الطبيعي أن يكون بينك وبينه علاقة وزيارات متبادلة، وهذا يمهد لنشوء معرفة وعلاقة ودية لا تنتهي حتى لو ترك الجار المنزل ورحل عن المدينة، وبسبب علاقات الجيرة تطورت الأمور بين الجيران وصارت مصاهرة وصلة رحم ونسب».

‏‫التزام بالقيم

يؤكد رئيس قسم التوجيه والإرشاد في تعليم منطقة الحدود الشمالية سابقًا الدكتور عبدالله عواد الرويلي أن «مجتمعنا يمتاز بالتزامه بالقيم الإسلامية ويحرص على الترابط والتواصل والتكاتف، ويمارس أبناء المجتمع عددًا من السلوكيات الإيجابية التي تغذي ذلك ومنها النزالة، والتي تعد من السمات المميزة للأسر التي تحرص على كسب فضيلتين عظيمتين، ألا وهما القيام بحقوق الجار الذي أوصى به ديننا الحنيف، وإكرام الضيف الجديد في الحي والسكن، والتعرف عليه وتبصيره بمكونات الحي الذي سيكون أحد أفراده، وللنزالة آثار طيبة إذ تربي في النفس البذل والعطاء وحب عمل الخير ومساعدة الضيف الجديد -خصوصًا أنه سيكون منشغلًا في عمليات النقل والتأثيث وإعداد متطلبات المنزل- وتقوي اللحمة الاجتماعية والتآخي وبناء الثقة والألفة بين الأسر الساكنة في الحي، وتسهل بناء جسور التواصل وانخراط الأسرة الجديدة في منظومتها المجتمعية المتمثلة بالجيران في الحي، ونبذ ما قد يتكون لديها من شعور بالوحدة والعزلة، وتعزز في نفوس أفرادها قيم المحبة والتعاون والأخوة مع الأسر المجاورة».

تحفظ

كما أن للنزالة آثارًا ونتائج طيبة على الضيف الجديد وعلى الأسر والأفراد في الحي، إلا أن البعض بات ينظر لها اليوم نظرة مغايرة، حيث يرون أنها قد تشكل نوعًا من الضغط والعبء على بعض الأسر خصوصًا تلك التي لا ترغب في تعميق العلاقات الاجتماعية مع الآخرين، والتي قد تنظر إلى مثل هذه الممارسات باعتبارها أعباء اجتماعية تؤدي إلى إضافة أعباء على ميزانياتها بما تتضمنه من إقامة الولائم الضخمة من بعض الأسر الميسورة في الحي، والتي قد تدفع إلى محاولة الآخرين من أبناء الحي إلى مجاراتها وتقديم الأفضل، وهذا قد يقود في المحصلة إلى ما يمكن وصفه بأنه إسراف وتبذير.

كما قد تضغط هذه العادة حسب هؤلاء على الأسرة المحتفى بها والنازلة في الحي، إذ عليها -كما يرى البعض- رد المناسبة وإعداد وليمة لجمع الجيران، إضافة إلى أن النظرة النفسية والاجتماعية ستتركز في الجانب السلبي للأسر التي لم تشارك في دعوة الأسرة الجديدة في الحي، وتكوين تصورات ليست جيدة عنها، دون النظر لظروفها وخصائصها النفسية والاجتماعية والاقتصادية، ويزيد الأمر تعقيدًا وتكليفًا في عالمنا اليوم عالم الصورة الحية المنقولة والتصوير والعرض في وسائل التواصل الاجتماعي والتنافس في الظهور بالمظهر الأكثر لياقة.

ومع هذه النظرة من البعض إلا أن الأعم الأغلب ما يزال يرى في النزالة ببساطتها بعدًا عن الإسراف والتبذير، وفي صورتها الأساسية الخيرية ممارسة اجتماعية ذات قيمة عالية.

النزالة

عادة اجتماعية متأصلة لدى كثير من القبائل

يركز عليها أبناء الشمال في المملكة ويحرصون على إحيائها

كانت قديمة تركز على الضيف الجديد الذي ينزل ببيت شعره في الجوار

صارت اليوم للاحتفاء بالجار الجديد الذي ينتهي من بناء منزله ويبدأ سكناه

تتضمن طهي الطعام وإيصاله للجار الجديد الذي يمكنه أن يدعو

عليه من يشاء

يمكن أحيانا الاكتفاء بإرسال الذبيحة للجار الجديد وترك الطهي له