في وقت تتسارع فيه مستجدات الحياة وتتفجر فيها مشاكل جديدة وتتشابك علاقاتها إلى حدود بالغة التعقيد، بقيت خطب الجمعة محتفظة بنمطية أداء خطبائها الذين يكررون خطبًا قيلت قبل نحو عشرات السنين، وبأداء واحد، وطريقة مكررة، حتى ليكاد مصلي الجمعة يدرك عند دخوله الجامع للصلاة أن الخطيب سيخرج بعد قليل صاعدًا منبره، متكئًا على عصا في يمينه، حاملًا بضعة أوراق في يساره، مستهلًا الخطبة بكلمات مكررة محفوظة، سرعان ما يفر المصلي من الاستماع إليها إلى شروده.

ومع إجازة اتكاء الخطيب على عصا أو سيف أو قوس وهو الذي اختلف الفقهاء في حكمه، على قولين: أولهما: الندب والاستحباب للمالكية والشافعية والحنابلة. وثانيهما: الكراهية للحنفية وإن خالف بعض فقهائهم، فإن تقليد الاتكاء على سيف كان السلطان العثماني «محمد الفاتح» وهو أول من ألقى خطبة الجمعة متقلدًا السيف في الجامع الكبير بمدينة «أدرنة» قبل فتح «إسطنبول»، واتّبعه السلاطين العثمانيون لستة قرون تالية، ومن هنا ما يزال بعض الخطباء يحمل سيفا خلال الخطبة، وربما يكرر خطبًا قيلت في عهد السلاطين متجاهلًا تناول المشاكل المستجدة وهي التي يحتاج الناس إلى سماع قول الشرع فيها.

وشدد كثير من الفقهاء على أن لخطبة الجمعة دورًا مهمًا وأثرًا لا يمكن إغفاله في حل مشكلات المجتمع، وأن طاقات المساجد لا يجب أن تهدر فقط أو تعطل في الوعظ والإرشاد التقليدي على أهميتها، بل يجب أن تؤدي دورها وتحقق مقصودها في المتغيرات الاجتماعية التي نشهدها.

وعن استسهال الخطباء يجعل خطبهم نمطية مكررة مفتقدة للإحصائيات والبيانات الدقيقة، ومتجاهلة للفروق بين المجتمعات، وموضوعاتها مكررة غير مترابطة، ولا تلامس حاجات المجتمع الأساسية، وتنصِرف عن كثير من الظواهر الاجتماعية، والانحراف والتربية والسلوكيات وربما كذلك القضايا الوطنية المهمة مثل الإرهاب والفكر الضال والفساد والتستر وغيرها.

بحث عن بدائل

أدت نمطية أداء بعض الخطباء إلى دفع المصلين للبحث عن خطب أكثر غنى في جوامع أخرى حتى لو كانت بعيدة جدًا عن مقر سكناهم، خصصًا بعد ملاحظهتم انخفاض مستوى المحتوى والطرح الوعظي لخطب الجمعة، باحثين عن الطرح المميز والإلقاء الجاذب للخطيب في جوامع أخرى، بعيداً عن التقليدية.

ويقول ياسر مبروك، أحد رواد الجوامع لـ«الوطن» إن «انخفاض الطرح في مواضيع خطب الجمعة يشكل هاجسا عند كثير من مرتادي الجوامع الذين باتوا ينفرون من سطحية الطرح من حيث تكرار بعض مواضيع الخطب والبعد عن مواضيع تمس المجتمع، أو من ضعف إجادة الخطيب للإلقاء»، مضيفًا «تكرار الطرح في خطب مكررة يجعل المصلين المستمعين ينشغلون عن الخطبة بالتفكير في أمورهم الحياتية والدنيوية، ولا يلقون بالًا لمحتوى الخطبة لعجز الخطيب عن لفت وجذب انتباههم إليه أثناء إلقاء خطبته».

وأشار إلى أنه «على عاتق الخطباء في الجوامع أمور مهمة ويجب عدم غض الطرف عنها كثيرًا في الوقت الحالي، ومنها الاجتهاد بشكل جدي في انتقاء موضوعات الخطب»، مؤكدًا في الوقت نفسه «وجود كثير من الموضوعات التي تستجد بين الحين والآخر، والتي يجب أن يكون للرأي والوجه الشرعي بيان فيها، من حيث توعية وتثقيف الناس بها، ونبين موقف الشرع والدين منها، مع وجوب أهمية تلقي كثير من الخطباء والأئمة لبرامج ودورات تدريبية وتثقيفية على فنون الإلقاء ومهارات التواصل من حيث التأثير في نفوس الناس».

بعد عن التقليدية

أما محمد المرزوق، فيرى أن «من واجب خطباء الجوامع أن يلامسوا ويشاطروا حياة مرتادي الجوامع من حيث صياغة مواضيع وعبارات الخطب بمفردات قريبة من ثقافتهم، حيث أنهم من شرائح مختلفة، فمنهم المثقف ومنهم محدود التعليم وغير المتعلم، ومنهم من لا يعرف اللغة العربية مع ضرورة تبني الخطباء مواضيع جديدة مستحدثة من أرض الواقع للمجتمع، بعيدًا عن المواضيع التقليدية».

وأضاف «كثير من مواد خطب الجمعة يشوبها الضعف، سواء من حيث جودة المادة أو من خلال تواضع الإلقاء، وهو ما يؤدي إلى تشتت الفكرة لدى المصلين، ولذا على الخطباء الاهتمام بالكيف وليس بالكم، وذلك من خلال ملامسة الخطبة للواقع الحالي للناس، ومشاطرتهم حاجاتهم اليومية»، مبينًا على الصعيد ذاته «ضرورة أن يدرك خطباء الجمعة أن الخطب الأسبوعية هي بمثابة رسائل تذكر المصلين وعموم الناس بأمور دينهم وكذلك دنياهم».

دراسة استطلاعية

قبل سنوات قليلة، أجرت وحدة استطلاعات الرأي العام بمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني دراسة أثبتت أن 53 % من المصلين لا يتذكرون موضوع خطبة الجمعة الماضية، كما أظهرت الدراسة ضعف التواصل السلوكي في شؤون الحياة اليومية بين خطيب وإمام الجمعة وأفراد العينة.

وشملت الدراسة الاستطلاعية نحو 685 فردًا مثلوا عينة عشوائية، واستخدمت الدراسة برنامجًا حاسوبيًا مصممًا خصيصًا لهذا الغرض، وأظهرت أن نحو (53.4%) من المصلين لا يتذكرون موضوع خطبة الجمعة الماضية، الأمر الذي يشير إلى تشتت انتباه وعدم تركيز أكثر من نصف المصلين على موضوع خطبة الجمعة، أو بسبب حضورهم المتأخر لصلاة الجمعة.

اختيار الخطباء

من جانبها، أكدت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد لـ «الوطن» أنها أولت عناية كبيرة لخطبة الجمعة من خلال اختيار الخطباء الأكفاء وتأهيليهم وعقد الدورات المتخصصة لهم بهدف رفع مستوى أداء خطب الجمعة والعناية بها لتحقيق المقصد الشرعي منها، وعملت الوزارة على رفع كفاءة الخطباء من خلال الدورات والبرامج الموجهة لهم وإعطائهم مساحة لاختيار الموضوعات المناسب تناولها، والتي تسهم في توعية الناس وتوجيههم التوجيه الصحيح، مع الرقابة على تلك الموضوعات من قبل الوزارة وفروعها، والعناية بها لتلافي ما يحدث من قصور.

وأشارت الوزارة إلى أنه «للمصلحة المقدرة من الوزارة قد يتم توجيه الخطباء إلى تناول موضوع محدد بعينه، تقتضي المصلحة توعية المجتمع به أو التحذير منه، حيث بلغت عدد الخطب التي تم توحيدها خلال السنتين الماضيتين أكثر من 21 خطبة موحدة، من بين 104 خطب، تم توجهيها من خلال منابر الجمعة في أكثر من 15600 جامع».

رسائل شرعية

في وقت صعدت فيه بعض الأصوات أيضًا مطالبة باستخدام وسائل تقنية حديثة في خطب الجمعة، أضافت الوزارة أن «خطب الجمعة رسائل شرعية لتوجيه المتلقين وتذكيرهم ووعظهم، فالأصل في خطبة الجمعة أن يصل صوت الخطيب لكل المصلين، بحيث يستمعون لها بشكل جيد وواضح بجميع الوسائل التقنية المتعارف عليها، والتي لا تشغل الخطيب والمصلين عن المقصد الشرعي لخطبة الجمعة، ومتى ما كان هناك فائدة مرجوة لأي وسيلة تقنية تحقق المقصد الشرعي لخطبة الجمعة فلن تتوانى الوزارة عن تطبيقها».

الموضوعية في الخطبة

أوضح أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة أم القرى، إمام وخطيب جامع الأميرة شيخة بمكة المكرمة الدكتور محمد السهلي لـ«الوطن» أن الخطب يجب أن تكون على السنة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم «صلوا كما رأيتموني أصلي» وصلاة الجمعة من ضمن هذه الصلوات، كما قال عليه الصلاة والسلام «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» وعليكم بسنتي يشمل بذلك خطبة وصلاة الجمعة، وقال الله جل وعلا (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وهذا يشمل الجميع.

وأوضح أن من سنة النبي عليه الصلاة والسلام في خطبة الجمعة أن تكون قصيرة ولا تكون طويلة مملة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام «من قصر الخطبة وطول الصلاة مئنة من فقه الرجل» وأيضًا من سنته عليه الصلاة والسلام في خطبة الجمعة الوحدة الموضوعية، وذلك لكون خطبة الجمعة ليست كخطبة العيدين، فخطبة أحد العيدين مرة واحدة في السنة، ولذلك تكون خطبة شمولية لمواضيع كثيرة، وأما خطبة الجمعة فإنها خطبة أسبوعية، ولذلك فيها الموضوعية التي تعالج موضوعا واحدا كل أسبوع».

مواضيع الخطب

أضاف السهلي «خطب الجمعة تعالج موضوعًا يعايشه الناس، ولذلك تختلف الجوامع، فكل خطيب هو أدرى بمجتمعه، ولماذا يحتاج، وقد يوجد في مجتمع أو حي تنتشر فيه قطيعة الرحم، فعليه هنا أن يعالج هذه المشكلة عبر خطب الجمعة، وربما لا يوجد في حيه من يتعاطى المخدرات، وهنا ينبغي أن يتحدث عنها مرة كل عدة أشهر، أما إن كان في حي تنتشر فيه ظاهرة تعاطي المخدرات، ولا يوجد قطيعة للرحم، فهنا عليه التركيز على مضار وخطورة التعاطي لأنه أدرى بما يحتاجه الحي والمجتمع الذي يقطنه، ولذلك يعبر بعض الفقهاء والعلماء في نقصية بعض الخطباء ويقولوا إن «هؤلاء يتحدثون عما فوق الأرض وتحت السماء، ولا شك أن هذا الكلام طيب، لكنهم يركزون عما فوق السماء من جنة ونار وتحت الأرض من القبور»، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن الإغراق في هذه الأمور يكون على حساب المواضيع الأخرى الحيوية التي يحتاجها الخطيب.

وأضاف «ينبغي لخطبة الجمعة أن تكون مطرزة بالنصوص من القرآن ومن السنة ومن أقوال العلماء وبعض الأبيات الشعرية الطيبة الهادفة، فلا يمل المستمع من سياق ونمط واحد في الخطبة، وعلى الخطيب أن يتنقل بين هذه النصوص ذات الصلة بالموضوع، وبإمكان الخطيب أن يضع صندوقًا في المسجد لاستقبال الاقتراحات ومشاكل الحي، ولا بأس أن يصرح للأهالي بالذي يرغبونه من مواضيع الخطب في الجمعة التالية».

وبين أن الخطيب، وبمجرد الانتهاء من صلاة الجمعة، يبدأ التخطيط لخطبة الجمعة التي تليها، وبإمكانه التواصل مع أهالي الحي سواء باللقاء أو بنشر رقم هاتف للتواصل معه واقتراح ماذا يرغبون الاستماع إليه من مسائل في الخطبة، دون أن يكون الأمر أشبه بما يقال له ما يطلبه المستمعون، وإنما يختار ما يحتاجون منه معالجته، فالخطيب يأخذ أصل الموضوع ثم يبحثه بحثًا علميًّا شرعيًّا على شكل هيئة خطبة، ولذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول في خطبه ما بال أقوام يقولون كذا وكذا ويفعلون كذا وكذا، ونحن نقول لم يتكلم بذلك إلا وقد نما إلى مسامعه عليه الصلاة والسلام بعض الإشكالات في ذلك الحين، ولذلك لا بأس للخطباء من أن يتواصلوا مع الأهالي عبر أي طريقة للتواصل، للبحث عن مقترحات لخطب الجمعة».

استخدام التقنية

على مستوى استخدام التقنيات الحديثة مثل تقنيات الترجمة ولغة الإشارة والصم والبكم في الخطبة، أبان السهلي «استخدام تقنيات الترجمة ولغة الإشارة للصم والبكم تعود للخطيب، فإن رأى أن بين المصلين في الجامع أصحاب احتياجات خاصة، فال بأس من أن يستعين بما يضمن وصول الخطبة لهم، أو أن تقوم وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، ممثلة بفروعها التي تقوم بجهود كثيرة وكبيرة، بتحديد بعض المساجد، بحيث يكون في كل مربع من المربعات التي يوجد بها عدة مساجد ويجعلون فيه مسجدًا يقصده إخواننا من أصحاب الاحتياجات الخاصة والصم والبكم، فيكون هناك من يخاطبهم بهذه اللغة».

وبين «حاولت أكثر من مرة مع بعض الجمعيات الخيرية المعنية على أن يتم تهيئة وترتيب مكان لذوي الاحتياجات في الجامع الذي أخطب فيه، لكن لم يتحقق ذلك، وإن كانت لغة الإشارة مهمة لبعض ذوي الاحتياجات الخاصة، فمن المهم ألا تشغل بقية المصلين، لذا من الأفضل أن يتم تحديد مساجد معينة في كل مدينة تبث بين أرجائها في اتجاهاتها الأربعة الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية ومسجد في الوسط من كل مدينة بلغة الإشارة، يقصدها الأخوة من أصحاب الاحتياجات الخاصة، وبالنسبة للترجمة فهذا مقترح جيد ونشد عليه ونتمنى من أخواننا في الوزارة أن يتخذوا الخطوات الكفيلة به، وقد ترجمت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي خطب الحرمين بمعظم اللغات، وكذلك بالنسبة للغة الإشارة، فهناك أماكن مخصصة لإخواننا من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولذلك الترجمة من الضروري والمناسب إيجادها، لوجود إخوة مصلين من العمالة الوافدة من غير الناطقين بالعربية، وهم بحاجة ماسة إلى ترجمة الخطبة، ومن المشقة أن يخطب الإمام بالعربية ومن ثم يأتي بعده آخر ويخطب بلغة أخرى، ثم ثالث للغة ثالثة، وهذا فيه إطالة غير مبررة للوقت، وإذا وجدت أجهزة للترجمة فذاك يختصر المسافة والوقت».

تجاوز الضعف

نوه السهلي بجهود ومتابعة وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد والتي قد تثمر بإذن الله عن معالجة ضعف خطب الخطب، خصوصًا ما تقوم من إعداد دورات للأئمة والخطباء وحثهم على المشاركة فيها، ومستوى الخطباء اليوم بفضل الله على المستوى الطيب، ومن يرى من نفسه نقصًا أو شيء من القصور، فلا بأس أن يقوي هذا الجانب بالاستماع إلى الخطباء المفوهين، كخطباء المسجد الحرام والمسجد النبوي، وكذلك الخطب المسجلة والموجودة في جميع وسائل التواصل الاجتماعي وفي مكتبة الرئاسة العامة للحرمين الشريفين.

خطبة الجمعة

ـ شعيرة أساسية من شعائر الإسلام

ـ تعد منبرًا دائمًا للدعوة الإسلامية

ـ تعتبر مدرسة للتعليم ومركزًا للإعداد والتكوين

أهمية خطبة الجمعة

1- تكتسب أهمية من حيث المكان الذي تقام فيه، وهو الجامع.

2- تكتسب أهمية من حيث الزمان، وموعدها يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع وأعظمها.

3ـ تكتسي الأهمية من وجوب حضورها، والسعي إليها، والإنصات لها.

4- التزين لها، وحضورُها على أحسن حال.

مما يجب على الخطيب أن يدركه

ـ الخطبة ليست مجرد كلمات تقال في دقائق معدودة.

ـ لا بد من الإعداد الجيد لها.

ـ تعد أمانة لأهميتها وأهمية الكلمة وأهمية وقت المصلين.

ـ عليه إدراك أهميتها واستحضار أهدافها، والاهتمام بها..