الأخلاق الفاضلة تعود على صاحبها بالخير الكثير، والسعادة الدائمة المستدامة، ومن أهم مايتخلّق به الإنسان خلق العطاء، والعطاء هنا تطوعاً.

في مجال الأعمال كل عمل وله جزاؤه، وكل فعل له ردة فعل، فمن يعمل أكثر يحصد أكثر، ومن يحقق أهدافه السنوية يحصل على مكافأة نهاية العام وهكذا.

في العلاقات الإنسانية الموضوع مختلف، فمن يبادر بالعطاء دون رد، هو من يسمو بأخلاقه ويسعد، وذلك منهج ربّاني، وقد أوصى بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: «ليس الواصل بالمُكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمَه، وصلها».

ترويض النفس لتعديل سلوك ما يحتاج إلى جهاد وجهد، بحيث يستطيع الإنسان أن يعفو عمّن ظلمه، ويتجاوز عمّن أساء إليه، ويصل من قطعه، ويقبل عذر المعتذر، وعثرة العاثر، ويتنازل عن بعض حقوقه عطاءً.

العطاء لا يقتصر على المال فقط، بل يعطي الإنسان مما وهبه الله، من علم ومعرفة ومعلومات وخبرة، ويقدم جاهه عطاءً في عتق رقبة، أو شفاعة في أمرٍ ما، ويعطي من وقته وجهده لقضاء حاجة أو تحقيق مصلحة، بل إن الابتسامة عطاء، زيارة، كلمة طيبة، دعاء، أو نفقة.

ومن الأخلاق الكريمة السماحة والسخاء، والتي تأخذ شكلاً من أشكال العطاء، ويقول الإمام الشافعي - رحمه الله - في ذلك مؤكداً على مردودات ما تقدم، من عطاء وخلق فضيل:

وكن رجلاً على الأهوال جلداً

وشيمتك السماحة والسخاء

يغطى بالسماحة كل عيب

وكم عيب يغطيه السخاء

العطاء هو نشر لمفهوم الود، والحب والتكامل، ولكن للأسف فقد انتشر مفهوم أن من يعطيني أعطيه، ومن يبادر بالاتصال بي هو من أحرص على الاتصال به، ومن يحضر المناسبة التي أقيمها، سأحضر مايقيم من مناسبات، بل وصلت إلى أن من عزاني في عزيز أعزيه.

وسأختم هذا المقال بمقوله للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: «لا تعامل الناس في أمور العواطف والهبات والهدايا، بمقياس البيع والشراء، ولا بميزان الربح والخسارة، بل عاملهم بالكرم والجود. ومن مَنَعَكَ شيئاً فأعطِه أنت، ستعيش مرة واحدة على هذه الأرض، إذا أخطأت اعتذر، ولا تكن صامتا. اجعل من يراك يتمنى أن يكون مثلك، ومن يعرفك يدعو لك بالخير، ومن يسمع عنك يتمنى مقابلتك، فمن تعطر بأخلاقه لن يجف عطره، حتى لو كان تحت التراب».