رجل يجمع المال ويذهب لشخص ما ويقول: «أريد ناعمة العود جميلة المحيا، تسر عيني وتلبي رغباتي». تبدأ عملية البحث عن هذه المواصفات، فما إن تظهر من تطابق الشروط المطلوبة، يتم الترتيب للقائهما قبل أي اتفاق، فمن حق الرجل أن يتأكد من توفر طلباته التي سيدفع مقابلها ماله الذي تعب في جمعه، إن وجد ما كان يبحث عنه، تستكمل إجراءات العقد وبنوده، وتبدأ المساومة المالية مقابل تلك الخدمات. يتفق الطرفان دون أدنى معرفة أحدٍ بالآخر، ثم توضع شروط العقد لحفظ حقوق الطرفين، ليستمر العقد مادام تبادل المنافع قائما.

ألا تذكركم هذه الطريقة بشيء؟.

يقرر الرجل أن يتزوج، فيجمع المال، ثم يطلب من أمه المواصفات التي تلائمه، فتتفق العائلات أولا قبل العروسين، لأن الزواج التقليدي لا يتم إلا بمباركة اجتماعية، ثم تحدد نظرة شرعية، وهي أن يلتقيا بغرض اختبار «القبول الروحي»! وهذا كذب صريح، هذه النظرة قائمة على قبول الشكل المادي فقط، الروح في الضلوع لا عالم بما تخفيه. ثم توضع قيمة للعروس سواء قيمة مقدرة أم قيمة محددة، يضخ الرجل الأموال، وتقدم المرأة بالمقابل خدماتها. لم تحضر العاطفة في أي خطوة من خطوات هذا الزواج، الأمر أشبه بصفقة تجارية استثمارية بحتة، ثم يصرخ أحد من القاع، يقول إن الحب يأتي بعد العشرة، هو يتحدث عن متلازمة ستكهولم، ولعلي أشير إلى مقالة كاثرين ويستكوت التي نشرت في موقع الـبي بي سي بتاريخ 25 أغسطس من عام 2013 وقالت: كان الطبيب النفسي والباحث في علم الجريمة نيلز بيجيروت هو أول من صاغ هذا المصطلح، وأظهر الطبيب النفسي فرانك أوشبيرج اهتماما بهذه الظاهرة وقام في السبعينيات من القرن الماضي بتعريف المتلازمة وتوضيحها لمكتب التحقيقات الفيدرالي وجهاز الشرطة البريطانية «سكوتلاند يارد»، وتضمنت معاييره ما يلي: «في البداية، بتعرض الناس فجأة لشيء يحدث رعبا في نفوسهم، مما يجعلهم متأكدين من أنهم مشارفون على الموت، ثم يمرون بعد ذلك بمرحلة، يكونون فيها كالأطفال غير قادرين على الأكل أو الكلام، أو حتى الذهاب لقضاء الحاجة، دون الحصول على إذن» قيام المختطف ببعض الأعمال الطيبة تجاه المخطوفين، كتقديم الطعام لهم، من شأنه أن يحفز لديهم شعورا بالامتنان «لمنحهم الحياة». وأضاف الدكتور قائلا: «يتكون لدى الرهائن شعور إيجابي قوي أصيل تجاه خاطفهم، يرفضون من خلاله أن يكون ذلك الشخص هو من عرضهم لذلك الموقف، ويتأصل لديهم شعور بأنه هو الشخص الذي سيمنحهم الفرصة للعيش«، هل هذا الاضطراب يسمى حبا؟.

الزواج التقليدي منهج غير إنساني، موروث ثقافي مصنف بأنه إسلامي، وبعيدا عن صحة مصدره، الذي هو حبر على ورق في واقع الأمر، لماذا لا نعيد التفكير في مناهجنا وقناعاتنا، لن تسقط إلا الفكرة المهترئة، أما الفكرة القوية ستصمد أمام أي عاصفة تحليلية، لماذا الخوف من إعادة النظر فيما نفعل، وفيما نؤمن؟!. يجب أن نقر أن الزواج التقليدي ليس عقداً بين شخصين، وإنما عبارة عن زواج عائلتين، وبالتالي أي مشكلة تحصل يكون حلها بيد العائلات فقط، الطرفان ما هما إلا منفذان باسم الطاعة، كيف لأب أن يقبل من رجل أن »يُعاين ابنته« بمسمى الزواج التقليدي، كيف قبلنا التسليع لأنفسنا ولمن نحب؟.

«إذا أردت من المجتمعات أن تمارس الإجرام دون نقاش وتدافع عنه، ألبسه القدسية ».