لا يبدو غريبا أن يصادفك خلال رحلة صحراوية مجموعة من الحجارة المبنية على شكل هرمي أو دائري يطلق عليها «الرجم»، وعادة ما توضع قرب مصدر ماء أو درب شهير حتى يراها الناس، تستخدم غالبا كعلامات استدلال في بادية ممتدة المساحات متماثلة الجغرافيا، لتشكل هذه الرجوم علامات فارقة كأنها بوصلة استدلال تحدد موقع العابر بهذه الرجوم، أو على الأقل تبين له إلى أي موقع وصل.

وغالبا ما تتخذ الرجوم أشكالا هرمية أو دائرية تجمع فيها الجارة فوق بعضها بعضا، ويشير متخصصون إلى أن وظيفتها لم تحدد بشكل نهائي وقاطع، فقد تكون نقاط تجمّع صحراوية، أو مواقع جلوس تُستخدم خلال مواسم الصيد والرعي، أو مدافن، أو حتى أماكن يترك فيها أفراد القبيلة رسائل لبعضهم البعض.

وبغض النظر عن وظيفته، يعد الرجم من العلامات الصحراوية الهامة في حياة سكان البادية ومرتاديها، وتسمح هندسة بناء حجارته بعبور الهواء إلى داخله، دون أن يتسبب في سقوط حجارته، مما يزيد في عمر بقائه وثباته رغم الزمن.

شاعرية الرجم

على الرغم من أن الرجوم مبنية من الحجارة، إلا أن الحكايات المنسوجة حولها لم تخل من الشاعرية، فثمة من بناها وشيدها، وثمة من بكى عندها أو اشكتى لها، وثمة من تذكر محبوبته قربها، وثمة من دوّن ذكرياته على حجارتها.

وللرجوم أسرارها وخباياها ومعالمها الخاصة، فمنها ما يحمل أسماء قد تكون لأصحابها الذين بنوها، أو نسبة لبعض مواقعها الجغرافية، وغالبا ما يكون موقع الرجم فوق الأماكن المرتفعة من الجبال أو الأرض، وتختلف أطواله وأحجامه.

دلالة الإنقاذ

تروى عن الرجوم حكايات كثيرة، تقول إحداها، إن شابا تاه في الصحراء، ونفذ منه وقود سيارته، وشعر بالجوع والعطش، وبلغ منه اليأس مبلغا عظيما، فكتب رسالة وتركها في سيارته، وانطلق باحثا عن طريق يوصله للحياة، وكان أهله الذين قلقوا عليه قد خرجوا للبحث عنه، وهم يعرفون أنه يعشق الخروج للبر، وعادة ما يذهب إلى جهة معينة فيها رجم، فأبلغوا الجهات المعنية التي بدأت البحث عنه متجهة نحو المكان الذي اعتاد الذهاب إليه، فوجدوا سيارته معطلة، وعثروا فيها على رسالته التي تقول «ماشي من الرجم جنوب»، وكانت السيارة قرب رجم محدد، فانطلق الباحثون منه جنوبا، وبعد ثلاثة أيام قضاها في الجوع والعطش استدلوا عليه في الاتجاه الذي حدده، وأنقذوه بعد الله من الموت.

اعتلاء الرجم

يقول أبو ياسر الرويلي، وهو من مرتادي الصحراء، وخبير في أسرارها، وقد وجدناه يعتلي «رجم الحصان» في القرية جنوب شرق عرعر ليجري اتصالاً بأهله «للرجوم المرتفعة تأثير إيجابي في التقاط شبكات الاتصال الهاتفي القريبة».

وزاد «يكشف الرجم للرائي جغرافية الأرض والأماكن القريبة، وهو عادة ما يوضع في الأماكن المرتفعة، ويعتني به أهل البادية كثيراً ليحددوا عبره مسارات الأرض واتجاهاتها والمواقع سواء الخصبة منها أو القريبة من مصادر المياه».

وأضاف: «يمكن اعتبار الرجم من علامات الاستدلالات المهمة لمن لديهم مواش بالصحراء، وكذلك مرتادوها، وهناك روايات لرجال البادية قديماً ممن يمتلكون الأغنام أو الإبل ويوجد لديهم رعاة، حيث كانوا يحذرون الرعاة من صعود الجبال والوقوف على الرجوم؛ لأنها تبعث فيهم الذكريات والحنين لذويهم فيتركون العمل».

سبر المراسم

يذكر عزيز العنزي أن «الرجم من العلامات المهمة لدى أهل البادية، فهم يعتمدون عليه كثيراً في سبر مراسم الأرض ومعرفة المواقع الجغرافية، والرجم متنفس طبيعي لمن يشتكي من هموم الحياة وهموم العشق والمحبة، فكان ملتقى للعشاق العذريين في الزمن الغابر».

ويضيف: «يروي لي أحد رعاة الأغنام حكاية عندما عاد بغنمه إلى أصحابها، طلب منهم أن يغادر المكان ويعود فوراً إلى أهله، فقال له صاحب الحلال: أكيد أنك صعدت الرجم وأنا محذرك من صعوده، قال نعم: وتذكرت أهلي وإخواني وعشيرتي».

وبين العنزي أنه البدو غالبا ما يصعدون الرجم وقت العصر، ولأنه الأنسب لاتضاح الرؤية، وأضاف «تتراوح أطوال الرجم ما بين المتر ونصف المتر، وتختلف أحجاره بين الصغيرة والمتوسطة».

علامات للقناصة

يوضح عبدالله الفحاط، أحد رواد الحياة البرية أن «الرجوم تعد مواقع مهمة للطيور الحرة وغيرها، وبالتالي فهي محط أنظار القناصة الباحثين عن الطيور، وهناك عدد كبير من الرجوم في منطقة الحدود الشمالية، منها رجم الحصان بالقرية، ورجم لاهه، ورجم الطوسية، ورجم مجيلس المرا في الحماد، ورجم المفتهق في شعيب الأبيض ويسمونه أيضاً رجم إحسان، وهي معالم واضحة ومسميات قديمة»، وبين أن كثيرا من الشعراء تغنوا بالرجم، حيث يقول الشاعر الأمير محمد الأحمد السديري في وصف الرجم، أو كما أطلق عليه «المرقاب» لأنه يشرف على ما حوله من الأودية والشعاب والصحارى، مطالبا بعدم صعوده إلا للمشتاق ومعذب القلب:

يا معدي المرقاب خله لمشتاق

حول وخل معذب القلب يرقا

ياليت ربي ما خلق حب وفراق

وإلا خلق حب على غير فرقا

ويذكرالشاعر فهد أبو شيبه شاعر جزل وصاحب قصائد راقية وإبداعية وقصص وروايات من مدينة عرعر أن الرجم قد يكون أحياناً ملاذاً للمهمومين بعد الله سبحانه وتعالى، يفرغون عنده همومهم، وذكر أن امرأة توفي عنها زوجها، فحزنت عليه بشدة، وشكت همها وحزنها حتى للأشجار والأحجار، وقد رثته بأبيات حزينة، قالت فيها:

يا رجم ما شفت عبدالله

مانط بك وقت الأدماسي

يا رجم أنا سألتك بالله

أي الرجا وأي الأياسي

حلفت عن كل خلق الله

أرجيه إليا حشروا الناسي

الرجم:

هي مجموعة من الحجارة المبنية على شكل هرمي أو دائري، توضع عادة قرب مصدر ماء أو درب شهير حتى يراها الناس، تستخدم غالبا كعلامات استدلال، وقد تكون نقاط تجمّع صحراوية أو مواقع جلوس.

تستخدم غالبا كعلامات استدلال في البادية

تحدد موقع العابر بها غالبا ما تتخذ أشكالا هرمية أو دائرية

قد تكون نقاط تجمّع صحراوية

ربما تكون مواقع جلوس تُستخدم خلال مواسم الصيد والرعي

قد تشكل علامات على أماكن الدفن