لا شك أن هناك مؤسسات ومنظمات، يكون فيها ضغط العمل هائلا، لا سيما تلك المؤسسات التي تتطلب طبيعة العمل فيها أن يكون على مدار الساعة كالصحة والشرطة وحرس الحدود، مع ضرورة بذل الجهد واليقظة والحذر. وكما هو معروف في أن ساعات العمل الطويلة بهذه المؤسسات، ستؤثر بشكل تلقائي على مخرجات المؤسسة وعلى ثقافة العمل والسلوك التنظيمي فيها. ولعل العمل في المجال الصحي هو من المجالات الصعبة التي تتطلب جهدا وعملا مستمرا ويقظة، فالتشتت وعدم الانتباه والزلة والغفلة قد تكلف الكثير. ولهذا قد يجد بعض قادة المؤسسات الصحية، أنفسهم مجبرين على تحميل الموظفين عبء أعمال إضافية، للوصول إلى التميز في الأداء لا سيما في ظل نقص بعض الكفاءات المتخصصة، والتحديات في الوصول للمعايير القياسية في تشغيل تلك المؤسسات. ولذلك فإن بعض النجاحات والإنجازات قد تتسبب في أضرار جانبية، لا سيما وهي تؤثر بشكل مباشر على الحالة النفسية والبدنية للموظف، ويظل السؤال كيف يمكن التخفيف من هذه الآثار لضغوط العمل. إن معظم الأبحاث والدراسات في هذا المجال تشير إلى أن أهم العناصر لمعالجة هذا الوضع هي الكفاءات القيادية وقدرة فرق العمل. ومن هنا ظهر مصطلح القيادة المتوازنة التي تتميز بعدد من الصفات الهامة، منها أن يكون القائد أو المسؤول متاحا لأفراد الفريق ومستمعا جيدا لهم، من خلال التواصل المباشر أو غير المباشر، وقدرته على اختيار العمليات الهامة للنجاح ومعرفة القرارات التشغيلية وتبعاتها والقدرة على بناء الفرق، وكسب ثقتهم وإظهار الاهتمام بصحة الفريق وأحوالهم، كما يتحتم على القائد الناجح مراقبة ومتابعة سير العمليات والإنجازات في المؤسسة، ومعرفة التحديات التي يواجهها فريق العمل والعمل على إيجاد الحلول لها. كذلك من أهم ميزات القيادة المتوازنة، هي حرص القائد على تطوير مهارات الفريق وذلك لخلق فريق مهني عالي الجودة، قادر على إنجاز المهام الصعبة من خلال الاعتماد على نفسه ووفق التأهيل الذي حصل عليه. ويجب على القائد المتوازن عدم إغفال الجانب النفسي وهنا يأتي دور التحفيز والتشجيع وممارسة حلول مواجهة ضغوط العمل.

ضغوط العمل أمور حتمية قد تتعرض لها أي مؤسسة صحية، ويمكن مواجهتها من خلال حلول عملية، ولعل أول هذه الحلول هو وضع أهداف عالية ولكن قابلة للتحقيق، بل وتتم صياغة تلك الأهداف بمشاركة الفريق المنفذ لها. كذلك أثناء فترة ضغوط العمل يجب على القائد أن يكون حريصا على الإبقاء على قنوات الاتصال مفتوحة بينه وبين فرق العمل، بل وأن تكون قنوات الاتصال متعددة ومتنوعة. وعلى القائد المتوازن ان يستشعر دائما أن ضغوط العمل قد تنعكس بشكل سلبي على إنجازات وإنتاجية المؤسسة وأن القيادة المتطرفة قد تؤدي الى ضرر كبير، قد يصعب إصلاحه مستقبلا وقد يؤدي الى احتراق وظيفي للموظفين، فيصبحون غير قادرين على تحقيق اهداف المؤسسة وغير مبالين برؤيتها ورسالتها. وأخيرا فان وجود القيادة المتوازنة القادرة على إدارة فرق العمل، أثناء فترات ضغوط العمل الكبيرة هي من أهم المواصفات للحصول على النجاح المؤسسي لأي منظومة صحية.