يعيش العالم اليوم في عولمة استهلاكية تجعل من الفرد في المجتمع سلعة ومستهلكا في الوقت نفسه، وهذه من أهم الأمور الذي يجب البحث في جوانبها، خاصة إذا أردنا أن نعرف مكاننا في الخريطة العالمية كأمة عربية وإسلامية.

واليوم البضاعة الاستهلاكية لم تعد منتجات على رفوف الأسواق فقط، بل هي من الممكن أن تكون فكراً يدخل إلى المجتمعات ويهدم أنبل ما فيها، لأن المبادئ والقيم والفكر النقي لا يمكن أن يشوبها شيء حتى إلى نهاية الحياة، لأنها أسس راسخة لها مخرجات مفيدة، مثل (العائلة) ودور الرجل والمرأة في المجتمع. الضعف الذي تعيشه شعوبنا العربية اليوم من انشغالها في الملذات والأشياء غير القيمة، يجعل منها سلعة وشعوبا لا تقدر أن تقاوم أي استعمار فكري أو حقيقي، لأن الاستعمار الفكري هو تمهيد للاستعمار الكبير والمشاريع الأكبر للأعداء.

نحن كعرب ومسلمين اليوم لم نصنع شيئا سوى فنون (الكيف). دخلت الخمور إلى دولنا بمسمى الرقي والتحضر والانفتاح، ودخلت المخدرات إلى عقول شبابنا، ولم يعد بعض الشباب قادرا على التفكير وحتى الطموح منهم اختار الهجرة، وهذا الشيء الذي تستفيد منه الأمم الأخرى، إنها أفسدت هذا المجتمع وأخرجت أجمل ما فيه إليها.

ومن خبث المستعمرين أنهم حتى عندما خرجوا من دولنا تأكدوا أنهم زرعوا في هذا المجتمع بذور الضعف، لأن مثل هذه البذور مشاريع تطلع نتائجها في المستقبل الذي يمهد لها الكثير من الأمور، فمثلا عندما فتحوا البارات في شوارع المدن العربية كان بذلك بحجة أن الجندي الغربي يحتاجها.

بعد فترة أصبح وجود مثل هذه الأماكن أمرا شائعا، وهنا يأتي الخطر الحقيقي، مثلما أصبح وجود المخدرات في بعض الدول مسموحا اليوم، سيكون لدينا أيضا مسموحا بشكل تدريجي، والمخدرات التي كانت من أكبر الكبائر في الماضي تصبح شيئا شائعا بحجة علاج الأمراض وتهدئة المزاج، وهكذا يكون الغزو الفكري. لم يعد وجود الجيوش في الأراضي المحتلة شيئا مهما لأن وجود جيشه الذي يحتاج إلى إمدادات لوجستية سيكون مكلفا، بالإضافة إلى الحركات الشعبية التي تزعجه في ظل الإعلام والحرية، فيكون إضعاف الشعوب بأسلوب مختلف وتجهيلهم أفضل بكثير، وإقناعهم مثلا بأن لغة المحتل هي لغة التحضر، فيكون ذهن الشخص مليئا بالإشاعات حول نفسه وحول أمته، وهذا ما يجعله يشعر بالاشمئزاز تجاه نفسه وهويته ويحاول أن يقلد المحتل في طريقة تفكيره وكلامه وثقافته. هذا ما يحصل اليوم معنا، وأنا أفرح جدا عندما أعلم أن هناك أشخاصا ما زالوا يتذكرون أن الوطن العربي والإسلامي واحد ويجب أن يكون واحدا دائما، وأن قوتنا آتية في كل الأحوال ولكن يجب أن نضع مشاريع للفكر الجديد العربي والإسلامي الذي يجعلنا قوة صامدة تعطي قبل أن تأخذ. يجب أن يكون لنا فكر محرك يؤدي إلى الصناعة والتجارة والزراعة والاستكشاف والمعرفة، لا يهم الوسائل المستخدمة المهم أن الحركة التي تسبق الوقت، الفكر يشمل الإنسان والمجتمع وإذا لاحظ الإنسان أن أفعاله لا تأتي بنتائج ولا تطابق أهدافه فيجب أن يراجع أفكاره، وكذلك المجتمع ينطبق عليه المثال نفسه.

وكما أشرنا في البداية إلى أن الفرد في المجتمع أصبح سلعة ومستهلكا في الوقت نفسه، لأن العقل له مدخلات ومخرجات ويجب أن تتطابق المدخلات والمخرجات، فإذا كانت مدخلاتك صالحة ستكون مخرجاتك مفيدة، التي هي أعمالك.

عقل الإنسان أشبه بـ (الآلة)، يجب فهم برمجتها وقوة المؤثرات التي تواجهها يوميا، والعقل القوي هو الذي لديه فلتر بين المدخلات والمخرجات، وهذا الفلتر يتغذى ويتقوى بالعلم والمعرفة، وهو الذي يدفع الإنسان لاتخاذ القرارات والتوجيه ومراجعة الأفكار والسلوكيات.