يعتبر الاهتمام بالأسرة، وبكل التفاصيل المتعلقة بها، إحدى الأولويات التي جعلتها القيادة الحكيمة أساسا في التغير والتحول الذي نعيشه في مجتمعنا، وذلك إيمانا منها بدور الأسرة المهم جدا كبيئة حاضنة لمخرجات وموارد بشرية يتشكل منها النسيج المجتمعي، الذي يعتبر الأهم في بناء المجتمعات أو انهيارها، وفي دفع عجلة النمو والنماء أو تعطيلها. من هذا المنطلق، وتحت عنوان «دور الأسرة في منظومة التنمية المستدامة ورؤية المملكة 2030»، انعقد مؤتمر الأسرة السعودية خلال الفترة من 24 إلى 25 أكتوبر، بموافقة المقام السامي، وبرعاية وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في مدينة الرياض.

نمط النظام الأسري، الذي كان سائدا عقودا طويلة من الزمن في المجتمع السعودي، بات بحاجة إلى إعادة النظر فيه، ليواكب التحولات المجتمعية العامة، ليستمر قويا وقادرا على امتصاص الآثار الجانبية التي قد تصاحب تباين الناس، واختلافات وعيهم في التغيرات الراهنة، وأهميتها في المحافظة على كيان وطني ومجتمعي قوي، قادر على مواجهة أصعب التحديات. الاهتمام بالأسرة ودورها وتأثيرها جعل لها مكانة واهتماما خاصا بكل خطة من خطط الوزارات والهيئات والمؤسسات، ومن أجل ذلك انبثقت فكرة مجلس الأسرة كجهة رسمية، تمثل المرأة والطفل وكبار السن في المنظمات والهيئات الدولية، وكجهة داخلية تعزز مكانة الأسرة السعودية، للمحافظة عليها من كل ما قد يهدد استقرارها، إيمانا بأهميتها كلبنة أولى لبناء مجتمع سليم، وكذلك جهة تهدف إلى الربط بين جهود الجهات المختلفة من أجل التنسيق بينها، لتطويرها وتحسين مستوى الخدمات التي تسهم في استقرار الأسرة، بحيث تكون ذات عطاءات فاعلة في كل المجالات التي يحتاجها الوطن والمجتمع، وبذلك نضمن - بأمر الله - نماء مستداما، أساسه مخرجات أسرية سليمة. بناء مجتمع سليم يحتاج منا إلى تمكين أسري، يوفر حياة كريمة لأفراده، من خلال تسليح كل فرد من أفراد هذا الكيان بأدوات النجاح اللازمة لبناء شخصية واثقة، مطمئنة، معطاءة، وسطية، متوازنة، ذات وعي كامل وأفق واسع، تستطيع من خلاله أن تقدم دورها في مجتمعها على أكمل وجه، ودون أي عوائق. من أجل ذلك، لمسنا بشكل مباشر كيف عملت الجهات المختلفة، كل في مجاله، من أجل توعية الشباب بحاجة الوطن لهم، وفي المقابل حاجتهم هم لوطن قوي مستقر آمن، وكيف أن ذلك لن يتحقق دون أن تعمل الأسرة على ترسيخ الأساس الشرعي الوسطي في نفوس الأبناء، ومن ثم بذر الهوية الوطنية، المعتزة بأصالتها السعودية مهما تأقلمت بمرونة مع متغيرات الظروف العالمية والمحلية وتحولاتها. كذلك تسعى الجهات المختلفة إلى ردم الفجوة الثقافية بين الأجيال، التي قد تكون صخرة عثرة كبيرة تقف في وجه تمكين الأسرة، وتكون أحد أهم الأسباب التي تنتج معوقات اجتماعية تعطل مسيرة النماء. من أجل ذلك كان لا بد من تشريعات تعالج المعوقات الفكرية المتعلقة بالكيان الأسري، التي ترفض التحديث الذي أصبح واقعا لا بد منه، لنحافظ على احترام الكبار، مع فتح المجال واسعا لحرية الشباب ورعاية الصغار من أجل بناء أسري ومجتمعي سليم، يعطي كل ذي حق حقه من غير تسلط أوهضم للحقوق. الآثار السلبية للتحولات الأسرية عولجت، ولا تزال تعالج مع كل مستجد بتشريعات صارمة حازمة، تضمن حماية المرأة والطفل من الإيذاء داخل الكيان الأسري، ونظام يكفل للمرأة العمل في بيئة سليمة خالية من التحرش أو التعدي، وكذلك تقديم الخدمات الإرشادية من أجل رعاية نفسية واجتماعية، بالإضافة لمراكز ضيافة الأطفال، المرخصة من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، التي تساعد المرأة على تحقيق التوازن بين دورها في بناء مجتمع قوي سليم ووطن بنماء مستمر، من خلال عملها خارج الإطار الأسري، في الوقت الذي تستطيع فيه أن تطمئن فيه على أبنائها.

النظام الأسري معقد جدا، لأنه قائم على أجيال بمعتقدات ثقافية مختلفة، وسد الفجوة بين هذه الثقافات، والعمل على إذابة جليد التعصب الفكري بين أفراد الأسرة من الأجيال المختلفة، مع سن قوانين تحمي الصغير والكبير، هو الحل الأسرع والأنجح الذي تعمل عليه جهاتنا المختلفة في الوقت الحالي، وهو السبب لعقد منتدى الأسرة السعودية، وهو ما يجب أن نسهم في إنجاحه من أجل مجتمع سليم، ووطن قوي، ونفع يعود علينا جميعا بالرخاء والاستقرار والنماء.