في الوقت الذي يرى فيه علماء القيادة أن 1% من البشر يمتلكون مهارات القيادة بشكل فطري، فيما لا يمتلك مثلهم أي صفات قيادية فطرية، فإن 98% من البشر يستطيعون اكتساب القيادة بنسب مختلفة، تستثمر منظمات وشركات كثيرًا من الوقت والمال لمساعدة موظفيها على تطوير مهارات القيادة لديهم، على أساس افتراض أنه يمكن تدريب القادة، حيث تنفق الشركات الأمريكية ما يقارب الـ14 مليار دولار سنويًا على هذا التدريب.

ومنذ قديم الأزل، حتى الآن، ما يزال السؤال الأكثر جدلًا عبر التاريخ يتردد:

هل القادة يولدون أم يصنعون؟.

حيث يعتقد البعض أن القيادة جينات يولد بها القائد، ويرى آخرون أنها عوامل تكتسب من تراكمات العلوم والخبرات، بينما يرى أحد المختصين أن «ثلثي القيادة اكتساب وثلث فطري».

سمات فطرية

يقول الأستاذ المساعد في قسم الإعلام في جامعة الملك سعود، الدكتور حامد الغامدي لـ«الوطن» ردًا على سؤال، هل القادة يولدون أم يصنعون؟، «نظرًا لأن القيادة موضوع واسع وديناميكي، فإن الجواب على هذا السؤال ليس بسيطًا، ولكن الحقائق والدراسات تقول إن بعض سمات القيادة فطرية، ولكن من ناحية أخرى، يمكن تطوير بعض الصفات للقائد من خلال التدريب والخبرة».

وأضاف «إن مسألة ما إذا كان القادة البارزون يولدون أم يصنعون نوقشت لسنوات، هناك عدد من الأمثلة على الشخصيات التاريخية التي جاءت بشكل طبيعي إلى القيادة، بينما طوّر آخرون مهاراتهم القيادية من خلال المثابرة والخبرة، ولفهم القيادة يجب مراعاة الطبيعة، والمكون الجيني والتنشئة والتأثيرات البيئية».

نظرية الرجل العظيم

أشار الدكتور الغامدي إلى أنه عند التفكير في القادة البارزين، سواء في الوقت الحاضر أو التاريخ، قد يتساءل المرء كيف أصبحوا قادة بارزين؟، هل ولدوا بهذه الطريقة أم تم تعليمهم القيادة؟.

ويضيف «اقترحت نظرية الرجل العظيم التي أشاعها توماس كارليل في أربعينيات القرن الـ19، أن سمات القيادة جوهرية، مما يعني أن القادة العظام يولدون وسيظهرون عندما يواجهون الموقف المناسب، إذ يمتلك هؤلاء الأفراد صفات ومواهب معينة، مثل الصدق العميق، والرؤية الأخلاقية والتعاطف والرعاية التي تجعلهم مناسبين تمامًا للقيادة، على العكس من ذلك، تستثمر المنظمات كثيرًا من الوقت والمال لمساعدة موظفيها على تطوير مهارات القيادة على أساس افتراض أنه يمكن تدريب القادة».

وتابع «في الواقع، تنفق الشركات الأمريكية ما يقرب من 14 مليار دولار سنويًا على هذا التدريب، ويقدم التعليم العالي عددًا من الدورات الدراسية للحصول على درجات علمية تتعلق بالقيادة، وهذا يشير إلى أن القيادة نفسها هي مهارة يمكن تعلمها أي يتم تعزيزها خارجيًا».

ويحدد وارن بنيس، مؤلف كتاب حول «أن تصبح قائدًا»، عددًا من الخصائص التي يتشاركها القادة: رؤية إرشادية، وشغف يوفر الأمل ويلهم الآخرين، والنزاهة التي تشمل الصراحة والنضج ومعرفة الذات، والفضول، والرغبة في ذلك، وتحمل المخاطر، وهذه ليست سمات يولد بها الأفراد ولا يمكن تغييرها، بل هي سمات تم تطويرها نتيجة لتجارب الحياة.

ووفقًا لبينيس فإن «تطوير الشخصية والرؤية هي الطريقة التي يخترع بها القادة أنفسهم»، ويتبنى القادة الفرص، ويشاركون في تنمية المهارات، ويستجيبون لمجموعة من الظروف الخارجية.

مجموعة أنشطة

يختتم الغامدي إن «تطوير القيادة ليس نشاطًا منفردًا، بل هو مجموعة من الأنشطة التي تحدث عادةً خلال فترة زمنية أي عدة سنوات، وقد يساهم كل نشاط من أنشطة تطوير القيادة في القدرة القيادية للفرد. أيضًا من الجدل حول ولادة القادة بأن هناك حاجة إلى بعض السمات الفطرية من أجل التطور إلى قائد بارز عندما تظهر تجارب الحياة والظروف نفسها. توجد أمثلة تاريخية لدعم كل من المكون الجيني والبيئي للقيادة. ينشأ القادة على الأرجح من مزيج من الاستعداد الوراثي، إضافة إلى التطور من خلال ردود الفعل على العوامل البيئية. قد يعيد القادة النظر في المهارات المطلوبة لأنفسهم ولقوى العمل لديهم لضمان الأداء الناجح في عالم مترابط بشكل متزايد. يمكن للقائد تطوير التفكير الإيجابي الذي يمكن تعزيزه من خلال التدريب الأفضل. لذلك، لا تكفي قدرات الفرد وسماته ليصبح قائدًا ناجحًا».

استعراض آراء

يرى المتخصص بالفكر والإنسان والقيادة، الدكتور خالد محمد المدني، في سياق أطروحته للدكتوراه الموسومة بعنوان «تصوّر مقترح لبرنامج تدريبي للقيادات الإداريّة التربويّة وفق الكفايات القياديّة اللاّزمة» (دراسة ميدانية من وجهة نظر المسؤولين التربويين بإدارة التربية والتعليم بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية) أن علماء الإدارة لا يزالون مختلفين حول ما إن كانت القيادة ولادة أم صناعة، وهل هي فطرية أم مكتسبة؟ والمقصود هل القيادة تأتي من خلال الخبرة والتعلم والتجربة والتدريب؟ أم يولد الشخص وبه صفات القادة ويولد آخرون وليس لديهم هذه الصفات؟.

ويحاول المدني الإجابة على هذه التساؤلات قبل أن يطرح وجهة نظره، مستعرضًا آراء أشهر علماء الإدارة في هذا الاتجاه.

أولاً: هناك من يرى من علماء القيادة أن القائد يولد ولا يصنع:

رأي أصحاب نظرية الرجل العظيم

انطلق الخلاف من أصحاب نظرية الرجل العظيم التي استندت إلى عناصر الوراثة والصفات الجسدية، ورأى أصحاب هذه النظرية أن هناك من يولد وبه صفات لأن يكون قائدًا وهناك من يولد وبه صفات لأن يكون تابعًا، وتأثر أصحاب هذه النظرية بالاعتقاد الذي كان سائدًا لدى الأقدمين والذي يقوم على أسطورة القائد البطل حيث يربط النجاح في القيادة بوجود قوى غير طبيعية يهبها الله للقائد.

بيتر دراكر

هو من أشهر من تناول هذه القضية، وله رأيان في صناعة وولادة القائد، الأول فيهما يرى أن القائد يولد ولا يصنع، ولا داعي لإضاعة الوقت في تدريبه، بل يجب أن ينفق الوقت في التنقيب عن القيادات منذ الطفولة ورعايتها وتأهيلها لتكون قادرة على القيادة بمفهومها الحديث، وهو يرى أن (شخصيّة القائد.. أسلوب القيادة.. سمات القيادة) كلها لا توجد، فمن بين أعظم القادة تأثيرًا من الذين عملت معهم حوالي نصف قرن رأيت قادة منزوين في مكاتبهم وآخرين اجتماعيين بشكل غير عادي، بعضهم وعلى الرغم من قلتهم طيبون وآخرون صارمون، بعضهم كان سريعًا متهورًا، وآخرون يدرسون ويتأمّلون كثيرًا قبل أن يتخذوا قرارًا نهائيًّا، البعض كان دافئًا وآخرون في منتهى البرود، بعضهم كان يتحدّث كثيرًا عن عائلته والبعض الآخر لا يذكر أيّ شيء أبعد من المهمّة التي بين يديه.. كان بعض القادة تافهين بصورة مفرطة.. ولم يؤثر ذلك في أدائهم.. وبعضهم كان يتجاهل ذاته بشكل مفرط.. ومرّة أخرى لم يؤثّر ذلك في أدائهم، كان بعضهم صارمًا في حياته الخاصّة كناسك في الصّحراء، وآخرون متفاخرين ومحبين للمتعة، يثيرون البهجة في كلّ فرصة، بعضهم كان مستمعًا جيّدًا، ولكنّني عملت مع بعض المنعزلين الذين استمعوا لأصواتهم الداخليّة فقط، ومع ذلك كانوا من أشدّ النّاس تأثيرًا، إنّ سمة الشخصيّة الوحيدة التي امتلكها النّاس المؤثّرين الذين قابلتهم عموما كانت (شيئًا لم يمتلكوه) كان لديه القليل ممّا يسمى، سحر القائد وجاذبيّته ولم يكن لديهم حاجة لاستعمال هذا المصطلح).

لكن دراكر عدّل رأيه في آخر حياته ونشره في الكتاب الذي أخرجه أحد أنجب طلابه وهو فلاهرتي فقال إن «القادة ليسوا مولودين ولا مصنوعين بل هم عصاميون، وفسر العصامية بالفعالية أي أن القائد قد يولد قائدًا لكنه لا يستثمر ذلك، فالقائد شخص يصنع المستحيل ويتحدى التحدي وهذا سر العصامية».

ويوافق بيتر في هذا الرأي دي فريز الذي درس القادة في بيئاتهم التي عاشوا فيها من خلال عيادته الخاصة بدراسة القادة، وخلص إلى أن نسبة معتبرة منهم طوروا الرغبة للقيادة لأنهم مروا بعدد من الصدمات المبكرة إذ يقول (بسبب الصعوبات التي واجهوها فالكثير منهم يبدو وكأنه في مهمة ليبرهن أن العالم مخطئ وليظهر للجميع أنه يستطيع الوصول لنتائج مميزة، ولديه رغبة قوية جدًا لرفع الظلم الذي وقع عليه في فترات مبكرة من حياته.

رأي بينيس

هو من أشهر علماء القيادة الذين أسسوا فكر القيادة الحديث، وهو يقول «لا تستطيع تعلم القيادة، القيادة شخصية وحكمة وهما شيئان لا يمكن تعليمهما».

جون كوتر

يرى كوتر أن القيادة صناعة وليست ولادة وأن القائد يصنع ولا يولد قائدًا، وهو يقول، بعض الناس يعتقد أنّ تطوير العديد من القادة ميؤوس منه، فإنّك إما أن تولد قائدًا أو لن تصبح واحدًا منهم على الإطلاق، فهم يقولون إن أغلب الناس ليسوا قادة، حتى لو قبلنا بهذا الافتراض المتشائم والقول إن شخصًا واحدًا فقط من مئة يولد قائدًا أو يحمل قيم القائد، وإذا أخذنا في الحسبان أن عددنا هو 5.7 مليارات نسمة هذا يعطينا 60 مليون شخص بقدرات قيادية منذ الولادة، و60 مليونًا عدد كبير جدًا! وإذا استطعنا تطوير المهارات سيكون لدينا كثير من القادة لتوجيه المنظّمات في القرن الـ21 ذي التغير المتسارع).

كوزيس وبوزنز

يعتقد كوزيس وبوزنز أن القائد يمكن صناعته وتدريبه فيقولان «سنكون كاذبين أو مخادعين إذا لم نقل إنّ بعض الأفراد لديهم احتمالات نجاح في القيادة أكبر بشكل واضح من غيرهم، وهذا لا يعني أنّ الأفراد العاديين لا يمكنهم أن يكونوا قادة استثنائيّين».

المدرسة الحديثة للقيادة

من أشهر من يمثل هذه المدرسة هو ستيفن كوفي، وترى هذه المدرسة أن القيادة وبروز القائد تعتمد على الثقافة وهو رأي شريحة لا يستهان بها من علماء القيادة فهناك ثقافتان ثقافة تشجع على التقوقع والانزواء، وهي ثقافة عادة لا تشجع على ظهور القيادات حتى لو كانت موجودة، وامتلاك القائد صفات القيادة الفطرية فالبيئة والنظام الذي يتواجد فيه القائد تحاربه وتقمعه، وهناك ثقافة تشجع على الإبداع والتحفيز وهذه الثقافة هي التي تنتج القيادات، وأرى أن عددًا غير قليل من القادة خرجوا من بيئات محبطة ومحطمة بل ومحاربة ومع ذلك صنعوا أنفسهم بأنفسهم.

الطرفان والوسط

هناك رأي لبعض علماء القيادة يقول إن فئة قليلة نسبتها 1% تكون القيادة عندها فطرية وفئة أخرى لا تصلح للقيادة ونسبتها أيضًا 1% وأما معظم الناس ونسبتهم 98% فيستطيعون اكتساب القيادة بنسب مختلفة تبدأ من 2% إلى 98% يتفاوتون حسب صفاتهم الشخصية وكفاءاتهم المعرفية والأدائية لكن هذه الفئة لن تستطيع أن تكون كمن خلقت معهم بالفطرة، وأنا أميل لهذا الرأي وأضيف عليه فأقول، إن القيادة من وجهة نظري ثلاثة أثلاث، الأول معرفة، والمعرفة يمكن تعلمها، والثاني مهارة، والمهارة يمكن إتقانها، والثالث وجدان، وهو الأصعب في الاكتساب، فيسعني القول إن: (ثلثي القيادة مكتسب وثلثها الثالث فطري).

الصناعة وليس الولادة

يضيف الدكتور المدني منتقلا إلى الآراء التي رأت أن القادة يصنعون ولا يولدون، ويقول: ثانيًا: من يرى أن القائد يصنع ولا يولد:

تخلص كل الآراء والنظريات إلى الدوران في المكان، فكل الآراء ما زالت بلا حسم لجهة تغليب وجهة نظر على أخرى، فثمة أمثلة عدة على أن القائد له صفاته الفطرية التي تعززها البيئة المحيطة، وثمة أمثلة تشير إلى أنه يمكن صنعه عبر التدريب واكتساب الخبرات.

الدوران في المكان

تخلص كل الآراء والنظريات إلى الدوران في المكان، فكل الآراء ما زالت بلا حسم لجهة تغليب وجهة نظر على أخرى، فثمة أمثلة عدة على أن القائد له صفاته الفطرية التي تعززها البيئة المحيطة، وثمة أمثلة تشير إلى أنه يمكن صنعه عبر التدريب واكتساب الخبرات.

%1 من البشر لديهم استعداد فطري للقيادة

%98 من البشر يتفاوتون في قدرتهم وكفاءتهم للقيادة

خصائص يتشاركها القادة

ـ رؤية إرشادية.

ـ شغف يوفر الأمل ويلهم الآخرين.

ـ النزاهة التي تشمل الصراحة والنضج ومعرفة الذات.

ـ الفضول والرغبة، وتحمل المخاطر.

ـ تطوير الشخصية والرؤية.

ـ تبني الفرص.

ـ المشاركة في تنمية المهارات.

ـ الاستجابة لمجموعة من الظروف الخارجية.

سمات فطرية مؤهلة للقيادة

ـ مزيج من الاستعداد الوراثي.

ـ التطور من خلال ردود الفعل على العوامل البيئية.

ـ القدرة على إعادة النظر في المهارات المطلوبة لأنفسهم.

ـ القدرة في اكتشاف قوى العمل لديهم لضمان الأداء الناجح.