في وقت يعتقد فيه كثيرون أن علاقتهم مع الآخر تقوم على أساس التوازن النفسي والوجداني، يجنح البعض إلى ممارسة «الابتزاز العاطفي» كشكل من أشكال «التلاعب النفسي»، مستخدما مجموعة من التهديدات، وملوحا بأنواع مختلفة من العقاب الذي يوقعه على الآخر، للسيطرة على سلوكه.


ويعد «الابتزاز العاطفي» جريمة نفسية شعورية، تفضي إلى التسلط، وفرض السيطرة على الطرف الآخر، سواءً كان الشخص من ذوي القربي أو من المحيط القريب أو غير ذلك، بمعنى أن درجة العلاقة الشخصية بين المبتز ومن وقع عليه الابتزاز تحددها درجة القرب بينهما وجدانيا، ولذلك يلاحظ أن جريمة الابتزاز منتشرة بشكل عام، وخاصة في العلاقات الخاطئة، التي يبتز فيها أحد الطرفين ضحيته بأي طريقة كانت، حتى تقوده إلى السيطرة الكاملة. علما بأن صور الابتزاز متعددة ومختلفة، منها المالية والعينية والوجدانية، حيث تظهر في الصور والرسائل الكتابية أو الصوتية وغيرها.

جريمة مع سبق الإصرار

قال المعالج النفسي العيادي الجنائي في مجمع إرادة والصحة النفسية بالرياض، الدكتور عبدالله أحمد الوايلي: «يمارس المبتز جريمته مع سبق الإصرار والترصد بلا إنسانية وبلا مشاعر، إرضاءً لذاته، وتشفيا في الآخر، مما يؤكد أنه مجرم مضطرب، يعاني الاضطراب النفسي والسلوكي، وهذا الأمر يُعد نتيجة طبيعية لعدة عوامل مختلفة، وأهمها عدم الاستقرار النفسي، سواءً الفردي أو الجماعي، مما يقوده إلى ممارسة الانحراف بشكل مباشر أو غير مباشر».

مجرم محترف

وواصل الدكتور الوايلي حديثه: «لا بد من الإشارة إلى أن المبتز مجرم محترف، يمارس الابتزاز المربع عن طريق:

1ـ الأنانية المطلقة واللامبالاة، فهو لا يرى إلا نفسه فقط، ولا يكترث للآخرين.

2ـ الجلد الذاتي من خلال تحمل المسؤولية الكاملة في العلاقات الثنائية، ويكون هو صاحب الرأي الصائب، خاصة عندما يحتاجه الآخرون.

3ـ تمثيل دور الضحية، ويركز في ردة فعل الآخر، فإذا لم يفعل ما يريده المبتز، فإنه يُشعره بالذنب مثل الأم التي تتمارض حتى يستجيب لها الابن.

4ـ التعذيب، وهو أكثر المبتزين ذكاءً وخطرا على الآخرين، حيث إن كل سلوكياته سلبية، وإن سلك بشكل إيجابي، فذلك خارج عن الرضا الذاتي».

أنانية المبتز

فصّل الدكتور الوايلي: «المبتز أناني، ومتمركز حول ذاته، ويستخدم عقله المنغلق (أنا ومن ورائي الطوفان)، كما يمارس غيره سلبية مع الجميع، وأثبتت الدراسات أن أكثر الشخصيات المضطربة والممارسة للابتزاز بطريقة أو بأخرى هي الشخصية الحدية، التي تلجأ إلى «الابتزاز العاطفي» بدافع القلق والتوتر والخوف، مما يفقدها المتعة، ومن ثم الوقوع في براثن الاكتئاب الذي يحدث غالبا إما بسبب التفكير في الماضي أو رفض المستقبل».

ويرى الدكتور الوايلي أن على المرء أن يحمي حريته الشخصية، إذ أوضح: «الحرية الشخصية ذات خصوصية، ويجب على الإنسان حمايتها، وعدم الاستسلام والانهزامية للمبتز من أصحاب النفوس الضعيفة، بل يجب مقاومته ومواجهته، وتحديد طبيعة تلك المواجهة، لمقاومة الابتزاز بكل أشكاله وصوره، سواءً العاطفي أو غيره، لأن الابتزاز جريمة نفسية ثلاثية التكوين، ولا تكتمل أركانها إلا عندما يترك الضحية الفرصة لارتكابها. لذلك، فإن المقاومة تحتاج إلى إرادة قوية وجرأة وهدوء، أي عقلانية ونضج انفعالي، بعيدا عن العشوائية المضطربة، للحد من عملية الابتزاز».

الأكثر شيوعا

من جهتها، قالت الدكتورة بينة المري، أخصائية نفسية أولى في مجمع إرادة والصحة النفسية بالرياض: «الابتزاز العاطفي من أشد أنواع الابتزاز خطورة، لأن الضحية لا يدرك إلى أي مدى يمكن أن يستدرجه المبتز، وما هو حجم الخسائر النفسية أو المادية التي يخطط لها، وما هي الأهداف التي يسعى خلفها، متيقنا بأن ذلك المبتز هو المقرب الذي لا يمكن أن يضره بأي وسيلة كانت، وإنما هو الناصح الأمين».

وأوضحت: «يعد الابتزاز العاطفي من أكثر الأنواع شيوعا بين المقربين على الصعيد الأسري أو الزواج أو العملي، حيث إنه متمحور حول العاطفة، والعاطفة هي تلك المشاعر التي يشعر بها الضحية تجاه المبتز، ولا يستطيع التحكم بها على الرغم من شعوره بالألم أو الإهانة أو التسلط، إلا أنه يعزو الأمر إلى أي تبرير خارج نطاق العقل، والانقياد والانصياع التام للمبتز، خشية الهجران أو الفقد أو الخسارة.

ومن الحيل التي يتميز بها المبتز أنه لا يملك الجرأة في تنفيد أهدافه إلا بعد أن يتأكد من أنه أصبح المسيطر والمتحكم الوحيد في مشاعر الضحية، ومن ثم يبدأ الابتزاز بعدة خطوات متتالية، ابتداء من الطلب مثلا بعدم رغبته في وجود أشخاص معينين بحياة الضحية من منطلق الغيرة أو عدم الارتياح لهم أو سلوكياتهم، ومن ثم المقاومة في حال عدم اتباع ما يريد من خلال الضغط على الضحية بأن ذلك من باب تحقيق مصلحته وبناء مستقبلهما سويا، وفي حال عدم تطبيق ما يريد، يبدأ في إظهار أصعب الوسائل، ألا وهي التهديد بالهجر أو الترك، وحينها لا يملك الضحية سوى الامتثال لرغباته، ومن ثم يحدث تكرار السلوك المبني على الضغط النفسي النابع من الابتزاز العاطفي، لذا من باب التوعية والإرشاد النفسي: يا أيها الصادقون في مشاعركم، والحريصون على بقاء الجميع في حياتكم، ليس كل ناصح محب، ولا كل ناقد كاره لكم، ولا يمكن أن يجبر أو يكره المحب محبوبه على فعل ما يريد من باب الأنانية وحب الذات وتحقيق المنافع الشخصية».

الابتزاز العاطفي

ـ طريقة يوظف فيها شخص ما مشاعرك بوصفها طريقة للتحكم في سلوكك أو إقناعك برؤية الأشياء بطريقته.

ـ أن يستخدم الناس بحياتك الخوف والإلزام والشعور بالذنب في التلاعب بك.

أشياء يستغلها المبتزون ضدك

ـ الخوف من الهجر

ـ خشية الوحدة

ـ الهلع من الإذلال والفشل

6 مراحل يمر بها الابتزاز العاطفي

1ـ الطلب

قد يكون الطلب واضحا أو مخفيا، ومنه مثلا أن تذكر أصدقاءك أمام المتبز، فيصمت أو يسخر أو يقول إنه لا يحب لك أن تتعامل معهم.

2ـ المقاومة

لو قاومت المبتز، فقد يتراجع، وربما كرر المحاولة لاحقا، ولكن من المحتمل أن يُصعد، ويستخدم مزيدا من العنف.

3ـ الضغط

يضغط عليك المبتز، لتلبية مطالبه، ويحدث هذا بعدة طرق، كأن يقول «أنا لا أفكر إلا في مستقبلنا»، أو «إذا كنت تحبني حقا، فستفعل هذا».

4ـ التهديد

إذا لم تستجب للضغط، فسوف يذهب المبتز للتهديدات المباشرة أو غير المباشرة.

5ـ الامتثال

حينما تخشى أن يفي المُبتز بتهديده، فكل ما تقوم به هو الاستسلام والامتثال، وهذه هي الخطوة الأخيرة التي تتم بها عملية الابتزاز العاطفي.

6ـ التكرار

فور أن استسلمت وامتثلت، فأنت بهذا عرّفت المُبتز كيف يحصل منك على ما يريده في مواقف مماثلة في المستقبل.