هذا الرجل الكبير والقامة، كريم النفس جواد معين، يعتبر في ظني أول معلم ومدير مدرسة نظامية في بلاد بللْسَمر، ولم أكن قد درست في تلك البلاد الطيبة، فقد جلبنا والدي -رحمه الله- إلى مدينة الطائف، وهناك عشت طفولة جميلة ودرست المرحلة الابتدائية وجزءا من المتوسطة حتى انتقلت إلى مدينة الرياض، حيث كان مولدي في قصر المربع حين كان والدي من ضباط الحرس الملكي مع الملك القائد المؤسس الملك عبد العزيز -رحمه الله- .

انتقلت من رعي البهم والغنم إلى الطائف منبهرا من مظاهر الحياة والمجتمع المدني من مختلف المنابت والأصول، أدخلنا والدي المدرسة اليمانية الأميرية بالطائف، شقيقي غازي -رحمه الله- كان رفيقي في قطع وادي وج وصولا إلى المدرسة.

تعلمنا وفرحنا أن أنقذنا الله من الحرمان من التعليم، والدي -رحمه الله- عسكري عاد من حرب فلسطين وكان مهتما بأن يتعلم ابناه وبنته فاطمة ثم بقية من رزق بهم في الطائف المأنوس.

حصل الوالد على إجازة ليقضيها في الديرة، فكان أن استرعاني وأخي غازي عند المعلم عبد الله بن عبد المعين الذي كان فيما أظن ملتحقا بالتدريب في مجال التعليم، رعانا وأخي غازي خير رعاية، تربيةً وتعليماً وعناية وسكناً في بيته، كان يراجع لنا دروس الهجاء وكتاب العلوم، بقينا كما أتذكر عند الوالد بن عبد المعين شهرين، مع ابنته الفاضلة عطرة -حفظها الله- وهي أم لعميد طيار متقاعد من أنبل الرجال.

في يوم ما هي وأنا وشقيقي أردنا أن نظهر عناية بالوالد عبد الله فقررنا أن نغسل ثوبا له، وبدأنا الغسل بأيادينا الغضة، وكانت المظلة هي عصر الثوب وحاولنا كثيرا لكن ضعف البنية لم يساعدنا، علقنا الثوب على حبل وسط حوش المنزل، وحين عاد الأستاذ عبد الله من عمله، اصطففنا ثلاثتنا عطرة وأنا وشقيقي وأعلمناه بأننا قد (مشينا) ثوبه!! ،فرح الرجل كثيرا ودعا لنا «الله يكثر رزقكم، عروا لي»، وبالطبع كان هذا لطفاً منه، مع أن الغسل لم يكن له أثر في النظافة!!.

حين عاد والدي من مأذونيته (مازونية) أبلغه العم عبد الله بن عبد المعين بحكاية غسل الثوب وضحك الرجلان غفر الله لهما. استضافني نادي الباحة الأدبي في 13/11/1440هـ لإلقاء محاضرة عن دور بلادنا في الدفاع عن فلسطين وسورية والأردن ولبنان. كانت ليلة من أجمل الليالي في ضيافة الأهل والعشيرة في بلاد غامد وزهران، وجدت أن بحتري الباحة الشاعر حسن محمد الزهراني رئيس النادي قد اختار رجلا ليكون مدير المحاضرة، وكان الشهم النبيل الدكتور جمعان عايض الزهراني، فكان نعم الرجل.

لم أكن أعرف الرجل، لكن عرفت أنه من أوائل من عمل بالتعليم في بللسمر حيث عمل في مدرسة الإثنين باللسمر عامي 1387- 1388، ثم معلما في مدرسة سدوان عام 1390هـ، أخبرني مؤخراً أنه عاصر المعلم العلم عبد الله بن عبد المعين الأسمري حيث كان وكيلا لمدرسة الإثنين، وأنه كان على خلق رفيع يهتم بالطلاب وتعليمهم ورعايتهم.

توفي العم عبد الله -رحمه الله- في حادث سير وهو عائد برواتب المعلمين من أبها، وما زلت كلما ذكر الرجل أترحم عليه، ومن جميل الصدف أن ابنه الخبير التقني خالد قد سلك مهنة التعليم كما والده، وأسهم بجهود كبيرة في المجال الإعلامي بتأسيس صحيفة إلكترونية ومسيرة في العمل الاجتماعي، وقد طلبت منه أن يعلمني بعض مستجدات التقنية!، استغرب الرجل هذا وأحسن الظن بي وقال أبهرتني يا أبا مازن إنك ما زلت حريصا على أن تتعلم رغم سني العمر لك في التحصيل العلمي والمعرفي.

رحم الله الوالد العزيز بن عبد المعين.