لا يجد الواصلون إلى صحراء العويصي شمال مدينة عرعر، وهم متجهون نحو الحدود السعودية العراقية، بداً من أن تمتد أبصارهم نحو تلة ترتكز في منتصف فيض، حيث تصافح هناك جدران بيت طيني تخطى عمره الـ80 عاماً، ويتكون من غرفتين و«لوان» ومسجد، وقد تهالك جسده من عوامل التعرية، يحيط به عدد من آبار الماء القديمة التي اندثرت بعد ما كان لها دوراً محورياً.

هذا البيت الطيني القديم يعود للشاعر قطيفان ‏سلامة الجميلي الذي توفي ـ رحمه الله ـ عن عمر يناهز الثمانين عاماً، تاركاً خلفه إرثاً من الشعر والكرم والقصص الجميلة، وقد كان مقر إقامته الدائم في «فيضة العويصي» حيث يستقبل ضيوفه هناك.

زيارة الأمراء والشيوخ

أكد ضيف الله قطيفان الجميلي أحد أبناء الشاعر قطيفان أن اختيار والده ــ رحمه الله ــ هذا الموقع لمنزله يعود إلى وجود آبار «ثمايل» التي تسد حاجته وحاجة الناس من الماء طوال السنة، مشيراً إلى أن «‏وادي عرعر يعد بوابة للقوافل التي تأتي وتذهب من وإلى العراق قديماً لغرض الحج والعمرة وإحضار المؤونة في ذلك الوقت».

وأوضح «هذا البيت يعد من أقدم القصور الطينية في صحراء العويصي، حيث تم إنشاؤه في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية ـ طيب الله ثراه ـ، وقد زاره كثير من الضيوف من شيوخ القبائل والتجار والشعراء».

وأضاف «حصل ‏عدد من المساجلات الشعرية بين الشاعر قطيفان وبين شعراء آخرين، منهم الشاعر محمد الأحمد السديري، وحسين بن عادي المطيري، والشاعر عوض بن مثيب المطيري، والشاعر كليب بن صالح الهزيمي وعيد الطويرش وسليمان الهويدي، ‏والشاعر قيران العنزي، وعودة بن زله، وخضير النبهان، والتقى بالشاعر الأمير محمد الأحمد السديري، عندما كان أميراً لمنطقة الحدود الشمالية، والأمير عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد رحمهم الله جميعاً، حيث استقبله بقصيدة أثناء تعيينه أميراً لمنطقة الحدود الشمالية مطلعها:

حييت ياحر(ن) شلع من بريده

ثاني هداده في حدود الشمالي


طفولة الشاعر

كان الشاعر قطيفان متعلقاً بالمكان منذ طفولته، وكان يكتب القصائد الجميلة ومن قصائده في صحراء «العويصي»:

قال العويصي حامر ماتجونه

إن كان مقصدكم كثير العشابي

تخيروا بالمنزل اللي تبونه

أنتــم هلي مرضـالكم بالعذابي


الشهامة والفزعة

يواصل ضيف الله سرد بعض القصص التي تدل على الشهامة والفزعة التي يتميز الشاعر، ويقول «جاءته امرأته ضاع ماعزها تستنجد به، وكان لديه في تلك الفترة سيارة من نوع هاف موديل 64، فقال بقصيدة وهي تنخاه وتستفزعه أن يبحث لها عن ماعزها:

لا والله الا غدا ريمان

شلنه شيـــــــاه عبادي

والله لو يدري قطيفان

يفزع على الهاف من غادي


إقامة شتوية

يقول عزيز عيسى العنزي، وهو أحد الأشخاص الذين كانوا يزورون الشاعر قطيفان في منزله، وتربطه معه علاقة وثيقة، إن «الشاعر قطيفان يعد من أعمق وأجمل الشعراء الشعبيين في وقته، وهو شخصية اجتماعية معروفة، تحظى بتقدير كبير سواء من متخلف أطياف المجتمع».

ويضيف «كان يزوره في بيته الطيني علية القوم من الأمراء والشيوخ وغيرهم، وكان يقيم في ذلك البيت على تلة فيضة العويصي في الشتاء، نظراً لوجود البرد ولغزارة المياه التي كانت تتدفق حوله سواء في الفيضة أو الشعيب، وفي فصل الصيف كان يغادر المنزل، ويبني له بيتاً من الشعر، قريبا من الشعيب بحثاً عن برودة الجو ولطافة الأرض التي تكون مشبعة بمياه الأمطار، وكان يتميز بخلق كريم وشهامة وحلو استقبال وجلسة مميزة».

موهبة فطرية

يرى الشاعر مروي السديري مستشار الأدب الشعبي في جمعية الثقافة والفنون بمنطقة الحدود الشمالية أن «الشاعر قطيفان الجميلي ـ رحمه الله ـ شاعر نظم وله جمهوره في المنطقة وخارجها، موهبته فطرية، وتغنى بأشعاره محبة الشعر، كما كان يمتاز في المساجلات الردية في عصره، وكانت له قصائده الجميلة وبالذات تلك المنظومة على «طاروق الهجيني» وما زلنا نردد في وقت الغيث والأمطار:

يا جرح قلبي جرح عرعر لواديه

لا جاه من وبل الثريا مخيله


وحينما نقف على الأطلال وتحديداً في منزله في منطقة العويصي البرية الذي ما زالت آثاره حية، نتذكر ذلك الزمن الجميل وشعراءه وبساطته، وكيف كانت القصيدة رسالة، بمثابة خبر هام وحدث أهم من خلال النص الشعري الذي يتناقله الناس ليصل إلى أهل المدن والقرى والبادية، وهنا نجد أن جمال الشعر أنه يتحدث عن أهله وزمنه ويصبح شاهدا على العصر.

من قصائد الشاعر قطيفان الجميلي

بديت بيت الله بالشين والزين

ثم الرسول اللي سكن بالمدينه

يالله يا غافر ذنوب المصلين

متشددين في عراك المتينه

نعوذ بك عن ما هذا بالشياطين

ياللي بامرك نوح مشى السفينه

ويامطلع السته من القوم ستين

ويامفرح يعقوب شوفة جنينه

انت القوي واللي حذاتك مساكين

اللي ضعيف الحال واللي سمينه