(1)

في سنين الجوع، و«طي» الضلوع، تكونت لدى العرب ثقافة عجيبة في الأطعمة، وهي تخزين أنواع محددة من الأطعمة حتى «تتعفن» ثم أكلها باستمتاع!

(2)

الشنكليش - أو الشنقليش أو السوركة - جبنة تشتهر في لبنان وسورية، والتي يبدأ تكوينها بقطع من اللبن الرائب منزوع الدسم، تعرّض لحرارة عالية جدًا، تكفّن بكمية من الملح، والنعناع، أو ما تيسر، ثم يصنع على شكل كرات، ثم يجفف ويدفن أو يحفظ في أوان مغلقة بإحكام، ويترك حتى تحتل الفطريات جزءًا من الجبنة، ثم تخرج لتؤكل؛ بمزاج، كنوع من المقبلات اللذيذة!، حتى قال الشاعر السوري خالد القاسم في الجبنة و«عـفنها»:

واربط حصوة بمحيط بطني

لكي أخفي لقرقعة تهيشُ!

أنا ما كان حلمي في خروفٍ

فعند الجوع طاب الشنكليشُ!

(3)

وفي نجد، وفي القصيم تحديدًا، وفي سنين الجوع وقلة الحال والحيلة، ظهرت المحزرة - أو المحيزرة - وهي عبارة عن قطع من «شحم» الغنم توضع - بعد ذبح الخروف وتقطيعه - في معدة الخروف أو ما يسمى بـ«الكرش»، ثم يعلّق «الكرش» في الهواء الطلق لشهور حتى يتعفن، ثم يقطع لقطع صغيرة تضاف للطبق الرئيس لأيام، لإيهام النفس بوجود لحم!

(4)

وفي مصر، يصر الناس على «الفسيخ»، وهو عبارة عن سمك البوري الذي يخزن لوقت طويل حتى تبدأ تفوح منه رائحة العفن والبكتيريا، وقبل أن يستفحل العفن، يخرجونه و«يملحونه»، ويأكلونه في عيد شم النسيم، أو بعد صلاة عيد الفطر!

(5)

هناك مخاطر صحية، ولكن هناك «بطون» ضد الرصاص، هذا «الاختراع» دافعه الفقر، وضعف الحال، وقلة الحيلة، وانعدام وسائل تخزين الطعام، ومن نافلة القول إنه ليس في ثقافات الشعوب ما يُعيب!