أطلق فشل الجولة السابعة من المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة 4+1 (فرنسا - بريطانيا - روسيا - الصين + ألمانيا) العنان لتصور احتمالية تأجج الصراع الأمريكي - الإيراني، مع تدخل إسرائيلي هذه المرة، وصولا إلى اندلاع حرب لا يمكن التكهن بنتائجها، خصوصا مع امتلاك إيران أو اقترابها الحثيث من صنع سلاح نووي، سيكون استخدامه مدمرا على المنطقة أولا، والعالم ككل ثانيا.

قد انهارت المفاوضات مطلع الشهر الحالي دون الوصول إلى نتائج واضحة، تحيي الاتفاق المبرم في 2015 بشأن البرنامج النووي الإيراني، الذي أتاح رفع عدد من العقوبات المفروضة على طهران مقابل الحد من أنشطتها النووية، قبل أن ينهار في 2018، عندما انسحب الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب، منه، وأعاد فرض عقوبات على إيران.

مخاوف جدية

قد أشعل الرئيس الأمريكي جون بايدن فتيل الأجواء المشتعلة أساسا بقوله، تعليقا على الاتفاق النووي مع إيران: «نحن نضع الدبلوماسية أولا، ونرى إلى أين سيأخذنا ذلك، ولكن إذا فشلت الدبلوماسية، فنحن مستعدون للانتقال إلى خيارات أخرى».

ويؤكد مراقبون أنه مقابل العقبات المعقدة جدا التي تقف في وجه الاتفاق، فإن هناك تصاعدا في العوامل التى تدفع فى اتجاه السيناريو البديل، وهو اللجوء إلى الخيارات الأخرى، خاصة الخيار العسكري.

كما حذروا كذلك من أن التراخي الغربي قد يقود إلى سباق تسلح نووي في المنطقة والعالم، خصوصا أن الدول المهددة به لن تقف مكتوفة الأيدي.

ولعل وجود إسرائيل في المنطقة، وهي دولة نووية تعي الخطر الإيراني المحدق، يشدد على أن المخاوف قائمة، والتهديد واقعي وحقيقي.

تحريك مصانع السلاح

وتوقع محللون كذلك أن يصعد الأمر باتجاه حرب، مشددين على أن أمريكا، التي تريد إجهاض الاتفاق النووي، تحتاج كذلك إلى خوض حرب، لتحريك مصانعها العسكرية التي أرهقتها أزمة «كورونا». كما أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يريد كسب بعض التأييد من قِبل الحزب الجمهوري، الذي يسيطر على هذه المصانع.

مكامن الخطورة

تكمن خطورة اندلاع حرب نووية في المنطقة والعالم في التأثير التدميري المهول الذي تخلفه الأسلحة النووية إذا ما تم استخدامها، وهو تأثير يحدثه انفجار الأسلحة النووية نتيجة عملية الانفجار بحد ذاتها، وليست الأضرار الناجمة من التأثيرات الحرارية والإشعاعية للقنبلة النووية.

تبلغ قوة الانفجار ما يقرب من 40% إلى 60% من الطاقة الإجمالية للقنبلة النووية، وتؤدي الحرارة والضغط الشديدان الناجمان من الانفجار إلى حركة سريعة للغازات الموجودة في الجو نحو خارج منطقة الانفجار، مسلطا ضغطا هائلا على المناطق المجاورة على شكل موجات متعاقبة دائرية الشكل، وتكون سرعة هذه الموجات مئات الكيلو مترات في الساعة. وبهذا يمكن القول إن هناك نوعين من الضغط يتولدان في لحظة الانفجار: ضغط مرتفع ساكن نتيجة الارتفاع المفاجئ والهائل من هول انفجار القنبلة، وضغط مرتفع متحرك نتيجة الاهتزاز وحركة الغازات في الجو بشكل دائري نحو خارج نقطة الانفجار.

ناهيك عن تأثير هذين النوعين من الضغط العالي على المباني، وله تأثير على جسم الإنسان أيضا، حيث يسلط ضغطا شديدا على جميع أنسجة جسم الإنسان، مؤثرا على مناطق الاتصال بين نسيجين مختلفين مثل اتصال العضلات مع العظام، فيُحدث تمزقات شديدة، وكذلك تتعرض الأعضاء التي تحتوي على غازات مثل الرئة والأمعاء والأذن الوسطى إلى ضغط شديد، يؤدي إلى انفجارها.

قياس قوة

لقياس قوة الانفجار الأولي، يستعمل عادة أسلوب المقارنة مع قوة انفجار مادة «تي. إن. تي». وعلى هذا القياس، فإن قوة انفجار قنبلة نووية هي معادلة لـ10 - 20 كيلو طن من مادة TNT. ولتوضيح أكثر، فإن مقدار 10 كيلو طن كافية لتدمير مدينة عصرية صغيرة الحجم، حيث تمتد قوتها التدميرية إلى مسافة 2.4 كم من نقطة الانفجار.

تعتمد قوة الانفجار الأولي للقنبلة النووية على عاملين مهمين: أولهما قوة القنبلة مقارنة بمادة TNT، والثاني هو الارتفاع الذي فجرت فيه القنبلة فوق سطح الأرض، إذ يعتمد اختيار الارتفاع المناسب لتفجير القنبلة على مدى قوتها، فعلى سبيل المثال تم اختيار ارتفاع 580 مترا لتفجير القنبلة التي ألقيت على مدينة «ناغاساكي» في اليابان، وكانت القنبلة من قنابل الانشطار ذي الانضغاط الداخلي، وقوتها مساوية لـ20 كيلو طن من مادة TNT، وهذه المسافة تتناسب طرديا مع قوة القنبلة، فقنبلة بقوة 30 كيلو طن على سبيل المثال تحتاج إلى أن تفجر من ارتفاع أعلى، لكي يكون تأثير انفجارها في أعلى حالاته.

استخدام مدمر

قبل 76 عاما تقريبا، وفي صباح 6 أغسطس 1945، أطلقت طائرة أمريكية حربية من طراز «B-29» سلاحا جديدا مرعبا على «هيروشيما».

محت القنبلة النووية المدينة، وأودت بحياة نحو 70 ألف شخص على الفور، وخلفت عشرات الآلاف يعانون إصابات مروعة.

بعدها بـ3 أيام، وفي 9 أغسطس، دمرت قنبلة نووية ثانية مدينة «ناغاساكي»، مما أسفر عن مقتل 39 ألف شخص على الفور.

بحلول 1950، كان ما يقدر بنحو 340 ألف شخص قد لقوا حتفهم نتيجة آثار القنبلتين، ومن بينها الأمراض الناجمة عن التعرض للإشعاع.

ولعل تلك الذكريات المؤلمة تشدد على المخاوف التي تنتاب العالم من اللجوء من جديد إلى الأسلحة النووية، وهو ما عبر عنه بيتر ماورير، رئيس اللجنة الدولية، بقوله: «قد تبدو أهوال الانفجار النووي وكأنه تاريخ بعيد، ولكن خطر استخدام الأسلحة النووية مرة أخرى أصبح اليوم كبيرا، إذ يجري التخلي عن المعاهدات الرامية للحد من الترسانات النووية، وخطر انتشار الأسلحة النووية، ويجري إنتاج أنواع جديدة من الأسلحة النووية، وتتشكل تهديدات خطيرة.. إنه سباق تسلح، وهذا أمر مرعب.. يجب علينا أن ندفع الدول كافة لحظر الأسلحة النووية، وأن ندفع الدول الحائزة الأسلحة النووية للتفاوض بحسن نية على خطوات نحو التخلص منها».

كما قال رئيس الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، فرانشيسكو روكا: «المجتمع الدولي لن يكون قادرا على مساعدة جميع المحتاجين بعد حدوث انفجار نووي، إذ إن انتشار الأمراض الناتجة عن التعرض للإشعاع، وانخفاض إنتاج الأغذية، والنطاق الهائل للتدمير والتلوث سيجعل أي استجابة إنسانية مؤثرة غير كافية، فلا توجد دولة مستعدة للتعامل مع المواجهة النووية».

محاولة تحجيم

في يوليو 2017، اعتمدت 122 دولة معاهدة حظر للأسلحة النووية، وهي ستكون مُلزمة بتوقيع 50 دولة. وحتى يوليو 2020، وصل عدد الموقعة عليها 40 دولة.

وتقضي المعاهدة بحظر تطوير الأسلحة النووية، واختبارها وإنتاجها، وتخزينها ووضعها، ونقلها واستخدامها، والتهديد باستخدامها.

أما فيما يخص الدول المسلحة الحائزة الأسلحة النووية التي تنضم إلى المعاهدة، فإنها تنص على إطار زمني محدد للتخلص من برنامج أسلحتها النووية.

14 ألف قنبلة نووية

توجد أكثر من 14 ألف قنبلة نووية في العالم اليوم، آلاف منها جاهزة للإطلاق، وتبلغ قوة عدد منها أكبر من القنبلتين الذريتين اللتين قصفتا «هيروشيما» و«ناجاساكي» بعشرات المرات.

ويكفي الوصف المريع لأثر قنبلتي «هيروشيما» و«ناجاساكي» للدلالة على ما يمكنه أن تحدثه حرب نووية، وهناك خوف من الاستخدام التكنولوجي للأسلحة في الحروب، مما يعني أن أي هجوم سيبراني على قواعد عسكرية بها رؤوس نووية قد يعرض العالم لخطر الانبعاثات النووي، حتى ولو عن طريق الخطأ.

ولعل أنجع الطرق لتجنب وقوع المواد النووية في الأيدي الخطأ هي ألا تحتفظ بها الدول. وفي هذا الإطار، انخفض عدد الدول التي تمتلك أكثر من كيلو جرام واحد من اليورانيوم عالي التخصيب، وهو وقود يكفي لصنع قنبلة نووية، من 32 إلى 22 دولة في الفترة من 2012 حتى 2018، حيث أزالت الأرجنتين وبولندا تلك المواد أو تخلصت منها، بينما سلمت النمسا وتشيكيا والمجر والمكسيك والسويد وأوكرانيا وأوزبكستان وفيتنام المتوافر منه لديها.

ومن بين الدول الـ22 التي لديها أكثر من كيلو جرام من اليورانيوم العالي التخصيب، حسنت 21 دولة دفاعاتها ضد سرقة المواد النووية.

ولا يقتصر أثر وأضرار السلاح النووي على أماكن استخدامه وتفجيره كسلاح حربي، وإنما أيضا حتى على مناطق تصنيعه، حيث ذكر تقرير على موقع «إنترستنج إنجنيرينج» الأمريكي أن ثمة أماكن تعد الأكثر إشعاعا على كوكب الأرض، بحيث تعد غير صالحة للعيش حاليا، حيث يصل الإشعاع النووي فيها إلى تركيزات عالية، تشكل خطرا على صحة سكان تلك المناطق.

مقارنات السوء

بناء على المخاطر التي يحدثها حتى التصنيع النووي، خلصت صحيفة «ذي إندبندنت» إلى أن التسرب النووي يحدث مخاطر مهولة. وعقدت مقارنة انتهت إلى أن كارثة «فوكوشيما» النووية في 2011 أكثر سوءا من حادثة «تشيرنوبل» النووية في 1986.

وقرر علماء أن كارثة «فوكوشيما» أدت إلى مليون حالة من الوفيات، خصوصا أن مفاعل «فوكوشيما» ما زال يبعث نويداته المشعة في جميع أجواء اليابان، في حين أن «تشيرنوبل» انطلق مرة واحدة، ولذا عدّ «فوكوشيما» أكثر سوءا.

كارثة «فوكوشيما» هي كارثة تطورت بعد زلزال اليابان الكبير في 11 مارس 2011، ضمن مفاعل «فوكوشيما 1» النووي، حيث أدت مشكلات التبريد إلى ارتفاع في ضغط المفاعل، تبعتها مشكلة في التحكم بالتنفيس، نتج عنها زيادة في النشاط الإشعاعي.

وأشارت «ذي إندبندنت» إلى أن إعادة البناء بعد الزلازل والتسونامي والأزمة النووية ستبلغ نحو 270 مليار دولار، حسب تقديرات اليابان، في حين بلغت التكلفة الإجمالية لأزمة «تشيرنوبل» نحو 208 مليارات دولار.

أماكن ينتشر فيها الإشعاع النووي، ويجعلها غير صالحة للعيش:

01 المجمع الكيميائي في «سيبيريا» الروسية

02 تشيرنوبل بمدينة «بريبيات» الأوكرانية

03 سيميبالاتينسك في كازاخستان

04 هانفورد بولاية واشنطن الأمريكية

05 محطة «فوكوشيما» النووية في اليابان

06 مجمع التعدين بـ«مايلوسو» في قرغيزستان

07 الساحل في الصومال

08 منطقة غويانيا الإشعاعية بالبرازيل

09 مجمع سيلافيلد النووي في المملكة المتحدة

10 محطة ماياك بروسيا

11 موقع بومارك في قاعدة السلاح الجوي ماجواير - برلنجتون (نيو جيرسي) الأمريكية

12 مصنع اليورانيوم بكنيسة روك في ولاية نيو مكسيكو الأمريكية

13 حصن أوبارفيلييه في باريس

قصة قنبلتي «هيروشيما» و«ناجاساكي»

18 يونيو 1945

أقر الرئيس الأمريكي الأسبق ترومان خطة، لغزو اليابان واحتلالها

يوليو 1945

2.7 مليون جندي أمريكي يحتاجهم الاحتلال

ـ نقلت أمريكا قنبلتين ذريتيتن: الأولى قنبلة يورانيوم سميت «الصبي الصغير»، والثانية قنبلة بلوتونيوم سميت «الرجل السمين»، إلى جزيرة تينيان في ماريانا الشمالية.

16 يوليو 1945

ـ بعد أبحاث بـ26.3 مليار دولار بالقيمة الحالية، أجرت أمريكا تجارب على نموذج لقنبلة بلوتونيوم في صحراء نيومكسيكو.

ـ أنتج الانفجار طاقة بقوة فاقت 4 مرات ما أعتقد العلماء أن القنبلة قادرة على إنتاجه.

26 يوليو 1945

«إعلان توتسدام»

ـ طالبت أمريكا وبريطانيا والصين اليابان بالاستسلام أو مواجهة «التدمير الفوري الشامل»

ـ تجاهلت اليابان هذا الإنذار

قنبلة الولد الصغيرLittle Boy

القنبلة الذرية الأولى في العالم

6 أغسطس 1945

8:15 صباحا أسقطت على «هيروشيما» من علو 9150 مترا

قتلت تقريبا كل من كان على مسافة تقصر عن 1000 متر من موقع سقوطها

مواصفات القنبلة

الطول: 3 أمتار

الوزن: 4400 كيلو جرام

الطاقة الناتجة: 20 كيلو طن

قنبلة الرجل البدين Fat Man

9 أغسطس 1945

ألقيت على مدينة «ناغاساكي»، وبعد أسبوع انتهت الحرب العالمية الثانية

في 11:02 صباحا، قتلت 40 ألف شخص بشكل فوري

دمرت 80% من مباني ناغاساكي

القنبلة الذرية

تعمل بمبدأ الانشطار الذري (انشطارية).

عملية الانشطار تطلق مقادير هائلة من الطاقة عن طريق انقسام نوويات البلوتونيوم 239 أو اليورانيوم 235.

تسبب الحرارة الناتجة عن القنبلة الذرية احتراق الأطراف المكشوفة من الجسم.

يلحق إشعاع قنبلة بقوة 10 كيلو طن الأذى بالأشخاص غير المحميين الموجودين على مسافة 1.200 م من مركز الانفجار.

يصاب هؤلاء الأشخاص بالمرض، ثم يموتون خلال أيام قليلة.