يحتاج الإنسان إلى السعادة في كل شيء، لكننا كثيراً ما نغفل عن حقيقة أن السعادة قدرٌ وخيار، وكثيرٌ من الناس ينظرون إليها كقدرٍ محضْ، بينما الكثير من قراراتنا التي نتخذها تؤثر في مستوى سعادتنا سواء في البيت أو في العمل.

والسعادة الوظيفية ليست استثناءً فهي قرار أيضاً، ولكنه قرار يأتي من خلال عمقٍ يتعدى مجرد النظر إلى السعادة الوظيفية من زاوية مكاننا وأين نتواجد، وفي أي مؤسسةٍ نعمل.

ولكي نفهم البعد الخاص بهذه القضية فليس أمامنا أولاً سوى الاعتراف بأن السعادة الوظيفية هي نتاج قرارات قد اتخذناها مسبقاً في حياتنا، لا أبالغ حين أقول منذ السنوات الأولى من سن الطفولة، عندما قررنا أن نجتهد في دراستنا أو فضّلنا أن نكون في مستوىً متوسط. علينا أن ندرك أن استئجار الأجير من فجر التاريخ البشري هو ذاته بفلسفته وممارساته لا يتغيّر، فمن يظن أن الأجير يملك أن يضع معايير ومقاييس الحياة الوظيفية داخل المؤسسة التي يعمل بها، فهو يعارض حقائق الحياة، ولكن الأجير المتميّز كثيراً ما ينال تلك السعادة الوظيفية العزيزة، والتي قد لا يتمتع بها أغلبية الموظفين.

فالسعادة الوظيفية إذن تتطلب أحد شرطين، أولهما إنسانية صاحب العمل، وهؤلاء موجودون، فمن باب التشاؤم الذي لا مبرر له أن ننفي وجودهم، وثانيهما تميّز الموظف الذي يفرض ضرورة وجوده في المؤسسة، لأن المؤسسة ببساطة شديدة تحتاجه، فهذا مؤهلٌ أيضاً لأن يعامل معاملة حسنة، فيحصل على درجة جيدة من السعادة الوظيفية.

والسعادة الوظيفية هي نتاج أخلاقيات، ولا يفترض أن تكون محصلة حاجة المؤسسة للموظف، فقد أمرنا ديننا الحنيف أن نحسن معاملة الناس في كل شؤوننا وشؤونهم، والناس ليسوا جوعى مال، فجلُّ الناس في ديننا وفي ثقافتنا الإسلامية يفهمون جيداً قيمة الرضا ورضى الله تعالى عن الذين لا يسخطون على حالهم، ويجتهدون للأفضل، فالموظفين لا يحتاجون إلى الأموال الطائلة ليشعروا بالسعادة، فالرزق بيد الله، لكن إشعار الموظف أنه إنسان هو نتاج سلوك صاحب العمل.

السعادة الوظيفية إذن مطلب إنساني وأخلاقي، ومعاملة الموظف بقسوة كثيراً ما تكون غير مبررة، هي نتاج أمراضٍ نفسية، وخللٌ سلوكي واضح لدى المدراء الذين يمارسون هذا النوع من المعاملة تجاه موظفيهم، فالموظف تسعده ابتسامة تجعله راضياً وسعيداً ربما لعامٍ كامل، فهو إنسان له مشاعر، ورب العمل هو رب أسرة غير أسرته التي في البيت، لكن كثيراً ما يغفل أرباب العمل عن أن من مسؤولياتهم في مؤسساتهم أن يصنعوا مجتمعاً مهنياً ووظيفياً سعيداً، سيعود في النهاية بالنفع على جيوبهم، فليختر الموظف إذاً ورب العمل أيضاً، وليقرروا أين سيسير ويصل بهم قطار السعادة الوظيفية.