الناس في العراق وفي بلدان الصحفيين العرب الذين كانوا معنا في رحلتنا إلى العراق، وهم من لبنان والسودان وليبيا وتونس ومراكش، لا يعرفون شيئا عن الصحافة السعودية، ومن حسن الحظ أنني تذكـرت فصحبت معي نسخاً من أعداد (حراء)، وكنت أنتهز فرصة الحديث عن الصحافة السعودية فأخرج من حقيبتي أعداداً من حراء وأهديها للحاضرين، وقد عتب علينا أولئك لعدم إهدائهم الصحف السعودية، وقد وعدناهم بإرسالها إليهم، ونحن نعرف سلفاً أنها لن تصل إليهم قبل أقل من شهرين من تاريخ صدورها!.

وفي الأحاديث التي دارت بالسفارة السعودية في بغداد وبيروت عن الصحافة السعودية أثيرت مسألة عدم وصول الصحف السعودية إلى هذه البلاد، وقال أحد المتحدثين من غير الوفد:

لو جاز لي أن أقترح لاقترحت على المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر أن تشترك في عدد كبير من كل صحيفة سعودية وإرسالها إلى مكاتبها بالجو، لتوزيعها على من ترى من المصلحة توزيعها عليه، وتصيب المديرية العامة للإذاعة والصحافة بحجرها هذا طائرين..

أولا: تساعد الصحف الأدبية مادياً وتقويها وتعينها على التحسن والتطور، وثانياً: تستطيع هذه الصحف أن تؤدي رسالة نشرات المديرية العامة للإذاعة والصحافة بصورة أحسن قبولاً وأكثر إقناعاً وأجدى نفعاً.

وأنا هنا أهدي هذا الاقتراح إلى الصديق الأستاذ عبد الله بلخير، فهو جدير بتحقيق هذه الأمنية التي تجمع بين الحسنيين، وتخدم الصحافة السعودية خدمة كبرى وتساعد على تطورها، وخاصة أن حراء مدينة لسعادته بكثير من التشجيع والتأييد.

في طريقنا إلى السليمانية بالسيارات كان الطريق طويلاً ومملاً، إذ إننا قطعناه في ثلاث ساعات، وكنا نخفف حدة هذا الملل بالاستماع إلى الراديو الموجود في السيارة، وفجأة ارتفع صوت الراديو بأغنية عراقية لشاعر حجازي من شعراء المدينة لا يحضرني اسمه الآن وهي:

قل للمليحة بالخمار الأسود

ماذا صنعت بزاهـد متعبـد

قد كان شمر للصلاة ثيابـه

حتى خطرت له بباب المسجد

فاستخفنا الطـرب.. وكان الشعر هزازاً، وكان اللحن مطرباً، ورحنا نردد الأبيات وتخميسـها حتى حفظناها، وقد ذكرتني هذه الأبيات بقصة طريفة أو حادثة كان من وحيها هذه الأبيات.. قصة تبين أثر الدعاية والإعلان واختلاف أساليبها باختلاف الأزمنة والأمكنة مـن ناحية، ومن ناحية أخرى تصور عقلية المرأة ووظيفتها في الحياة، وتقارن بين عقلية المرأة في العصـر القديم وعقليتها في العصر الحديث، واستغلال الرجال من التجار لهذه العقلية من قديم الزمان.

تاجر بالمدينة استورد خمراً سوداء بكميات كبيرة لم يستطع تصريفها وكسد سوقها، فشكى إلى صديقه الشاعر أمره، فلم يكن من هذا الصديق إلا أن بادر فنظم هذه الأبيات التي تناقلتها الألسن، وتغنى بها الصبيان والصبايا، وراحت المليحات وغير المليحات يتسابقن إلى شـراء الخمـر السوداء من صاحبنا حتى نفدت بضاعته المزجاة..

هذا أسلوب من أساليب الإعلان في ذلك العصر، يدل على ما للإعلان من أثر في رواج البضاعة ولفت الأنظار إليها. أما الأساليب الجهنمية التي يلجأ إليها تجار الأقمشة ويضحكون بها على ذقون النساء – لو صـح أن لهن ذقوناً- فإن هذه القصة صورة مصغرة منها، على غرار ما يفعلون الآن من إطـلاق أسماء شاذة على الأقمشة مثل (زنُوبه) (وأنا قلبي إليك ميال) وما شابهها من الأسماء المائعـة، فقـد قيل لي إن تاجر قماش قديما -يعني قماش- كسد سوقه ولم يسأل أحد عنه، فأخـرجه وأطلـق علـيه اسماً جديداً، هذه الأسماء الخلابة وأغلى سعره بصورة جنونية، فتهافتت عليه النسوة ونفد من الأسواق أو كاد.

1957*

* كاتب وصحافي سعودي 1920 - 1991