ضيق كبير يشعر به المواطن عندما تضطره الظروف للاستعانة بأحد العمال لإصلاح عطب أو ضرر حدث في منزله أو محل عمله، وهذا الإحساس ليس بسبب نظرة فوقية أو عدم الرغبة في الاحتكاك بالعمال، كما قد يتبادر إلى أذهان البعض، لكنه ناتج عن تجارب مؤلمة عديدة تعرض لها الكثيرون بسبب الاستعانة بعمالة غير مؤهلة ولا تمتلك من الخبرة ما يجعلنا نطمئن إلى أدائهم، فكم من شخص فوجئ بالمياه تغمر منزله وتتلف أثاث بيته لأن السباك الذي استعان به لم يكن مجيدًا لعمله، وآخر تعطلت أجهزته الكهربائية لأن الفني لم يكن ملما بأصول مهنته.

ما أريد قوله باختصار هو أن هناك فوضى عارمة تضرب سوق العمالة المتخصصة من سباكين وكهربائيين وعمال بناء ونجارين، رغم أهمية هذا القطاع الذي لا يستغني عنه أحد وتتعامل معه غالبية العائلات. وللتأكيد على وجود هذه الفوضى أشير إلى أن معظم هؤلاء العمال يدعون القدرة على أداء مهام أخرى في الوقت ذاته، فالسباك الذي تأتي به – مثلا – لتوصيل الغسالة كثيرًا ما يؤكد أن الفيش الكهربائي يحتاج لإعادة تركيب، وعندما تقتنع بملاحظته وتفكر في إحضار كهربائي يفاجئك قائلًا إنه يجيد أعمال الكهرباء وسيقوم بإعادة تركيب الفيش وكله بحسابه كما يقولون.

هذه السيناريوهات متكررة ولا أعتقد أنه يوجد بيننا من لم يشاهدها ويتعرض لتجاربها غير السعيدة، بل إن معظم هذه العمالة غير الماهرة التي تنتشر في الشوارع، وبالذات أمام محلات الكهرباء والسباكة تعلمت هذه المهنة في المملكة، ولم يسبق أن مارسوها في بلادهم، لكنهم وجدوا أنها مهنة مربحة في بلادنا فاختاروا ممارستها.

وللإنصاف لا أريد أن أرمي اللوم على أولئك العمال لوحدهم، فهم لم يختاروا مجالات عملهم إلا بعد أن توفر لهم الضوء الأخضر وغض الطرف عنهم، وارتضى المواطن الاستعانة بهم، أو اضطر إلى ذلك، إن شئت الدقة.

إذا تطرقنا للمساوئ التي تنتج عن وجود هذه العمالة غير الماهرة سنجد أنها كثيرة ومتشعبة، فإضافة إلى الأضرار التي تلحق بمن يستعين بها، إلا أن هناك وجها آخر أكثر خطورة يتمثل في تورط نسبة كبيرة من العمالة السائبة في أعمال مرتبطة بالتستر، لأنهم يتعاملون مع تأشيرات العمل التي يأتون بناء عليها من أوطانهم على أنها مجرد وسيلة لدخول المملكة، وبعد وصولهم ينخرطون في أعمال أخرى بعيدًا عن الرقابة.

حتى الذين يعملون منهم في المهن التي أتوا من أجلها لا يستطيعون تحقيق الحد الأدنى من الدخل الذي يسمح لهم بتلبية متطلبات الحياة، لأنهم غير قادرين على المنافسة في سوق العمل، لذلك يضطرون إلى سلوك طرق أخرى غير قانونية مثل السرقات أو الاتجار في الممنوعات، أو التسول في أحسن الأحوال. ولوضع الحلول المناسبة لتلك المشكلة يبرز ما كشفت عنه وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية قبل فترة عن عزمها تطبيق برنامج الفحص المهني الذي يتم عبر مسارين، الأول هو الاستعانة بمراكز مهنية معتمدة في الدول التي تأتي منها العمالة، للتأكد من حرفيتهم ومعرفتهم التامة بأصول المهنة وذلك قبل قدومهم إلى المملكة. والمسار الثاني هو إخضاع العمالة الموجودة حاليا إلى اختبارات مهنية عبر المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني أو أي مراكز ذات صلة.

تلك المبادرة كانت ستكون كافية لوضع حد للمعاناة ورفع كفاءة سوق العمل لو تم تنفيذها، لكنها للأسف لم تر النور منذ أن تم الإعلان عنها، وهي من الأهمية بحيث ينبغي جعلها إلزامية وليست اختيارًا، ليصبح اجتياز العمال تلك الاختبارات شرطا لتجديد إقاماتهم.

لا بد من التسليم بأن هذا المجال الحيوي بحاجة إلى التنظيم والترتيب، وفي هذا الإطار يمكن إنشاء مكاتب أو مؤسسات صغيرة تقوم بكفالة هذه العمالة وتأجيرها لمن يرغب في خدماتها، على أن تكون مسؤولة عن مستوى أدائها والتزامها بتجويد العمل، حتى تتوفر المصداقية والموثوقية، ويطمئن المواطن إلى أن العامل الذي استعان به يملك القدرة التامة على القيام بعمله، ويستطيع مراجعة المؤسسة أو المكتب إذا اكتشف أن هناك عيوبًا أو نواقص لم تستكمل.

وجود هذه المرجعية يمثل عنصر اطمئنان للمواطن، وحتى إذا ارتفعت قيمة التكلفة قليلًا فإن ذلك أفضل بكل تأكيد من الاستعانة بشخص مجهول قد يتسبب في إلحاق الضرر بأملاكه أو عائلته، ولا يعثر له على أثر إذا أراد مقاضاته أو إلزامه بإعادة تنفيذ العمل.