اعتمدت المملكة العديد من الإستراتيجيات والخطط الوطنية التي تعزز تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، وبرزت السعودية في مؤشرات التنمية المستدامة الدولية، كأحد البلدان التي لديها آليات لتعزيز اتساق سياسات التنمية المستدامة، التي تبلورت في عدد من الإستراتيجيات مثل؛ الإستراتيجية الوطنية للبيئة، وإستراتيجية المحافظة على التنوع الإحيائي، وإعادة الغطاء النباتي بمنطقة الرياض، والخطة الوطنية لمواجهة الكوارث الطبيعية، ومواجهة الكوارث البحرية، والخطة الوطنية للحوادث الكيميائية.

احتوت رؤية 2030 العديد من الإستراتيجيات الزاخرة بالمبادرات والبرامج المتنوعة، التي تستهدف تطوير المملكة بجميع مكوناتها ومناطقها، بالاستثمار في مواردها وفي ممكناتها الطبيعية والبشرية، بما يصب في الصالح الوطني بتنويع موارده الاقتصادية، وتحقيق التنمية الاقليمية المتوازنة في جميع مكوناتها الحضرية والبيئية والاقتصادية والسكانية.

تستهدف إستراتيجية تطوير مدينة الرياض؛ أن تكون العاصمة من أكبر عشرة اقتصاديات مدن في العالم، باعتبار أن 95% من اقتصاد العالم يأتي من المدن لتركز الأعمال والاستثمارات بها، وإذ تشكل الرياض اليوم ما يقارب 50% من الاقتصاد غير النفطي، وتنخفض فيها تكلفة خلق الوظيفة إلى نحو 30% عن غيرها من المدن في المملكة، علاوة على انخفاض تكلفة البنى التحتية والعقارية فيها إلى أقل من 29% مقارنة بغيرها من المدن، اعتماداً على جودة بنيتها التحتية، بسبب جهود الملك سلمان- حفظه الله- في إدارة العاصمة والإشراف على التخطيط بها، لفترة تجاوزت الـ55 سنة، والذي أسهم في مضاعفة سكانها إلى نحو 7.5 ملايين نسمة، نتيجة لما تتمتع به المدينة من ممكنات اقتصادية تجعلها بيئة مناسبة لتحقيق نمو اقتصادي ضخم، بالاستثمار في جميع مكوناتها وإمكاناتها المادية والبشرية، والتي جعلتها مرتكزاً رئيساً لفرص العمل. وتتطلع إستراتيجية مدينة الرياض، إلى زيادة معدل النمو السكاني ليبلغ من 15-20 مليون نسمة في 2030، استنادًا إلى ما تتمتع به من جودة البنى التحتية، بما يهيئ فرص التنافس في مستوى مؤهلات العرض الجيد لمختلف الخدمات، لتلبية ذلك الارتفاع المتنامي في الطلب عليها من السكان ومن الجهات الإدارية والمؤسسات المتمركزة في المدينة، والتي تشكل مستقطبات أعمال حكومية وخاصة بمشاريعها المتنوعة.

يرتبط مفهوم التنمية المستدامة ومؤشراتها، بجميع مكونات التنمية ومجالاتها وقطاعاتها، سواء ما يتعلق منها بالتنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية أو ما يتصل بالبيئة وما تحتويه من موارد طبيعية، يتطلب جميعه الترشيد في الاستهلاك وتقنين الاستثمار بما يتيح الاستفادة الحالية من المقدرات مع المحافظة عليها للأجيال القادمة.

يتمحور علم الجغرافيا حول الاهتمام بدراسة البيئة بمكوناتها، وطبيعة علاقة الإنسان بها، وتحليل سبب ذلك اختلاف في علاقة الإنسان بالبيئة ما بين منطقة وأخرى، وما هي العوامل التي أدت إلى ذلك الاختلاف، والذي أدى بدوره إلى التباين ما بين الدول أو المناطق، في مستوى تنميتها وحضارتها وآلية تفاعلها، وفي طبيعة استثمارها لتلك العلاقة الأزلية ما بين البيئة والإنسان.

تتمتع المملكة في مساحتها الكبيرة بتنوع واضح في مواردها الطبيعية، وفي جغرافيتها التي شملت مختلف مظاهر الطبيعة من الهضاب والجبال والبحار والصحارى، وعليها قامت 13 منطقة إدارية تتوزع ما بين أرجاء الوطن، لتسهم جميعها في تحقيق التنمية المنشودة بما تزخر به من موارد وإمكانات. ورغم ما تشهده جميع المناطق والمحافظات من مشروعات تنموية، فإنه من الملاحظ أن تركيز المشروعات ومراكز الأعمال ما زال يستوطن المدن الرئيسة، ما أدى إلى هجرة مستمرة من الأرياف والقرى والمدن الصغيرة إلى المدن الكبيرة القريبة والبعيدة، بما يزيد من نسبة التحضر بارتفاع نسبة سكان المدن وتفريغ الريف والقرى من سكانها، بما يعني هجرا مستمرا للريف بمنتجاته وسكانه، نحو المدن حيث توفر فرص العمل والخدمات المطلوبة بجودة أفضل.

توزيع مشاريع التنمية وبرامجها المتنوعة، على المناطق باستثمار ما بها من موارد وسكان؛ يُعزز من مستوى الخدمات بها؛ ويُسهم في الحد من الهجرة الداخلية إلى المدن الكبرى، نتيجة لتوفر فرص العمل بها، لتكافؤ مستوى العرض والطلب، علاوة على ما يتولد عن ذلك من إيجابيات تعالج كثيرا من التحديات التي تواجه المدن الكبرى، سواء في ازدحام المواصلات وصعوبة التنقل، أو في ارتفاع أسعار العقارات وغيرها، إضافة إلى أهمية ذلك في تيسير حفظ الأمن الداخلي للمدن الكبرى، والذي يتعقد مع ارتفاع النمو السكاني وكثرة العاملين بمستوياتهم المهنية المختلفة.

في مفهوم الجغرافيا السياسية، لـ«العاصمة» ممكنات جغرافية ومعايير إستراتيجية مطلوبة، يتحقق بها توفير متطلبات الأمن الوطني، استناداً لأهميتها السياسية على المستوى الدولي ولرمزيتها الوطنية؛ وعليه فإن توسط العاصمة لموقع مركزي من مساحة الدولة، يعتبر من المميزات الجغرافية والإستراتيجية للعاصمة، لكونه يُسهل النقل والاتصال ما بينها وبين المناطق الأخرى، ويمكنها من تحقيق الاحتواء الإداري المطلوب لجميع المناطق والمحافظات، كما أن الحد من وجود المؤسسات الإدارية الحكومية والكيانات الاقتصادية والتنموية وغيرها من القطاعات الاستثمارية والخدمية في العاصمة؛ يُعد مطلباً أمنياً على المستوى المحلي وعلى المستوى الدولي، لأن كون العاصمة مركز أعمال، يتبعه استقطاب كبير للسكان، بما يعقد عملية حفظ الأمن الداخلي فيها، ويعيق إمكانية المحافظة على مستوى الجودة في الخدمات، ومن جانب آخر فإن لذلك حساسيته الإستراتيجية والأمنية على المستوى الدولي.

في المنظور الدولي، نجد أن بعضا من دول العالم اضطرت بعد عقود من الزمن، إلى نقل عواصمها التاريخية، إلى مدن قريبة أو بعيدة نسبياً، لتكون بمنأى عن صخب المدن وازدحامها، وبما يحقق لها مستوى عاليا من الأمن، ومنها البرازيل والآن إندونيسيا والقاهرة، وقبلها أمريكا التي آثرت أن تكون عاصمتها السياسية بعيدة عن مركز الصخب التجاري والازدحام السكاني الذي تمثله نيويورك.