بدأت تقنية تجميد البويضات تنتشر رويدا رويدا في العالم العربي تحت شعار عريض ومهم، وهو «تحقيق حلم الأمومة المؤجل»، وذلك بعد سنوات من انتشارها في الغرب، حيث التقنية أكثر تطورا، والرؤية الأكثر اختلافا للموضوع من جوانبه المختلفة.

تعمل هذه التقنية على تجميد بويضات المرأة بوضعها في تركيز خاص وسط سائل حيوي، ويتم تبريدها بدرجة حرارة منخفضة جدا، ما يهيئ لها الاحتفاظ بفاعليتها إثر توقفها عن نشاطها الحيوي طيلة مدة تبريدها في المعامل المخصصة لحفظها، والتى يطلق عليها «بنوك تجميد البويضات» أو «بنوك الأجنة»، وهي بنوك لم تكن موجودة في الوطن العربي حتى 2019.

وبدأ ظهور «بنوك الأجنة» مع انتشار التلقيح الاصطناعي، كونه يتطلب، في إحدى مراحله، تجميد البويضات الملقحة أو أخذ عدد كبير من البويضات وتلقيحها، ثم إرجاع بويضة واحدة ملقحة إلى رحم المرأة، والاحتفاظ ببقية البويضات الملقحة في «البنوك»، لتسهيل تكرار العملية في حال فشل حدوث الحمل في المرة الأولى، إلا أن ظهور «البنوك» المخصصة لحفظ البويضات «غير الملقحة» يعد من الأمور المستحدثة في المجتمعات الإسلامية عامة، والعربية خاصة، حيث كانت نشأتها في الدول الغربية، إذ تفتح تلك «البنوك» أبوابها لاستقبال البويضات والحيوانات المنوية في صورتين، الأولى: إما للتبرع بها وإما لبيعها، حيث يتم تجميدها ثم الاستفادة منها لمن أراد الإنجاب من خلال تلقيح البويضات بحيوانات منوية، سواء كانت الحيوانات المنوية لأشخاص مجهولين أم لشخص محدد تختاره السيدة التي اشترتها.

والصورة الأخرى: يتم تجميد البويضات للاستخدام الشخصي، خشية تلفها، ثم العودة إليها لتلقيحها، سواء عند الارتباط بشخص معين أو لمجرد الإنجاب، فيتم تلقيحها بأي حيوان منوي مجمد!.

التحليل والتحريم

تلقت المجتمعات الإسلامية هذه «البنوك» وآلية الاستفادة منها في صورتيهما السابقتين بالرفض المطلق، وذلك لمخالفتها مقاصد الشريعة في حماية وحفظ النسل عن طريق تشريع الزواج وتحريم الزنا، وفق نصوص قرآنية صريحة، إذ يترتب على الغاية من هذه «البنوك» ما يترتب على آثار الزنا، كون عملية التلقيح في هاتين الحالتين تتم دون عقد نكاح بين صاحبة البويضة وصاحب الحيوان المنوي.

وبعد دراسة أبعاد التقنية في المجتمعات العربية والإسلامية، تبين أنها تحمل أيضا جزءا من العلاج إذا ما استخدمت وفق الضوابط الشرعية، خاصة أن هناك بعض الحالات الصحية التي تحتاج إليها، كأن تتعرض المرأة إلى علاج طبي من شأنه أن يؤثر على البويضات والمبيض مثل تعرضها للعلاج الإشعاعي، أو لوجود ظرف يجعل الزوجين ينقطعان عن بعضهما فترة طويلة من الزمن، فتلجأ الزوجة إلى تجميد البويضة، سواء قبل تلقيحها أم بعده، أو لاقتران قرب موعد انقطاع الطمث مع وجود رغبة في الإنجاب بقرار تأخير الزواج، لمختلف الدوافع والأسباب، فتلجأ الزوجة إلى تجميد البويضة إلى حين تلقيحها.

أو يكون ثمة ضعف في إنتاج البويضات عند المرأة، مما يؤثر في نسبة احتمالات الحمل، فيتم تنشيط إفراز المبيض، والاحتفاظ بعدد جيد من البويضات، لضمان وجودها واستخدامها، بالإضافة إلى تعرض الزوج للعلاج الجنسي أو النفسي الطويل، مما يمنع فرصة الإنجاب في الوقت الراهن، فتلجأ الزوجة إلى تجميد بويضاتها حتى شفائه، وقبل أن تكبر بالعمر، فتقل فعالية البويضة.

لهذه الأسباب رأى جملة من العلماء إباحة الشريعة حالات الاضطرار بغرض رفع الحرج والضرر عن المسلم بحسب مقدار ضرره، وبلا إسراف.

ودعموا ذلك بأن جواز تجميد البويضات يحقق رفع الحرج عن الحالات المهددة بعدم الإنجاب، للظروف الصحية والعلاجية، وهذا ما يوافق غاية الشريعة في عموم رفع الحرج، وإباحة المحرمات عند حاجة الإنسان الضرورية.

كما أن النطاف ملك للزوجين، ويمكن استخدامه متى أرادا، تماما كحرية اختيارهما تخصيب البويضة داخل جسم الزوجة، إلا أن الفرق هو الاحتفاظ بالبويضة في مكان مخصص لها، يضمن سلامتها وعدم فقدان فاعليتها، لأسباب مختلفة قد تمنع جسم المرأة من سلامة الاحتفاظ بالبويضة.

العلاج بشروط صارمة

يرى عضو الجمعية الفقهية السعودية الدكتور صالح بن عطية بن صالح الحارثي أنه «يُلجأ إلى تجميد البويضات كنوع من أنواع العلاج، والأصل مشروعية العلاج والتداوي».

وأضاف: «لكن هذه المسألة متعلقة بقضية مهمة جدا، ومسألة خطيرة للغاية، وهي مسألة الأنساب، وضرورة حفظها، وحرمة اختلاطها، والبُعد عن كل ما من شأنه المساس بها، فحفظ النسب من الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة بحفظها».

وأكمل «الحارثي»: «قد تدعو الضرورة أو الحاجة إلى التجميد كمن تعالج من السرطان، وعلاج السرطان يقتل البويضات، فيقال: إن تجميد البويضات يجوز بضوابط: أن يكون الدافع لعملية التجميد مشروعا، وأن يكون موجودا وقت العملية، وأن تحفظ البويضة المخصبة بشكلٍ آمنٍ يمنع اختلاطها عمدا أو خطأ، وأن تجرى عملية التخصيب بين زوجين بدخول البويضة المخصبة في المرأة وهي لا تزال زوجةً له، وألا توضع البويضة المخصبة في غير رحم صاحبة البويضة، وأن تشرف على تلك البويضة جهة طبية موثوقة، وألا تطول فترة التجميد، تجنبا لوفاة أحد الزوجين أو حصول طلاق، مع ضرورة التأكد من عملية الحفظ والتخزين قبل الاستخدام».

وتابع: أولت المملكة العربية السعودية مثل هذه النوازل جلّ عنايتها، وأصدرت لها الأنظمة مثل نظام وحدات الإخصاب والأجنة وعلاج العقم، ولائحته التنفيذية، وأكدت أن تكون جميع تلك الأمور متوافقة مع الشريعة الإسلامية، كما جاء في المادة الثالثة من هذا النظام «تلتزم وحدات الإخصاب والأجنة وعلاج العقم في ممارسة نشاطها بالفتاوى الشرعية التي تصدرها هيئة كبار العلماء في المملكة».

ضمانات تحقيق المنفعة

جاء رأي الدكتور الحارثي منسجما تماما مع إقران «المؤتمر الطبي الإسلامي الدولي عن الشريعة الإسلامية والقضايا المعاصرة» جواز هذه التقنية بشروط، لضمان تحقيق المنفعة مع درء المفسدة، وهي:

1- أن تشرف على تلك البويضات جهة طبية موثوقة علميا ودينيا، وإصدار قانون ينظم هذه العملية. وعليه، جاء قرار الجمعية الطبية للعلوم الإنسانية.

2- وجود الضرورة لإجراء هذه التقنية.

3- ألا تطول فترة التجميد، تجنبا لوفاة أحد الزوجين أو حصول طلاق، ويجب إتلاف البويضة الملقحة بوفاة أحد الزوجين.

4- أن يكون تلقيح البويضة بحيوان منوي شرعي، أي لزوجين يربطهما عقد نكاح صحيح.

مسائل مستجدة

بادرت إحدى الفتيات إلى تجميد بويضتها قبل الزواج، لقرارها المسبق بتأخير زواجها، لأسباب عدة أصبحت جزءا من مراحل حياة المرأة، وتكوين نفسها في الوقت الراهن، ولا تقل ضرورتها عن الأمومة، منها السعي إلى التحصيل الأكاديمي، والتكوين الشخصي، والالتحاق بالوظيفة المناسبة، ثم محاولة إيجاد الشخص المناسب، للارتباط به، وتحقيق أعلى مستوى من الانسجام.

ويعرض استشاري النساء والتوليد والحقن المجهري بالمركز القومي المصري للبحوث، الدكتور عمرو عباسي، كيفية تجميد البويضات للآنسات، قائلا: «لدينا تقنيات حديثة تهيئ للفتيات تجميد بويضاتهن، حتى يلتقين الشخص المناسب، للزواج منه دون أن تواجهن معوقات إنجاب، وميزة هذه التقنية أن البويضات ومخزونها وفعاليتها يكون أفضل عند استخدامها للحمل، ولا يؤثر فيها التأخر في الزواج، وهي المرة الأولى في الوطن العربي التي نعرض فيها شرحا لعملية تجميد البويضات للفتيات دون أي تدخل يمكن أن يفقدها عذريتها، وإنما التدخل يكون عبر البطن فقط، وذلك بعد حقنها بأدوية محفزة للإباضة، تؤدي إلى تنشيط إفراز البويضات، ثم يتم تخديرها كليا، وإدخال «السونار» من خلال فتحة بسيطة في جهة الرحم، لندخل بعدها إبرة رفيعة جدا نصل بها إلى البويضة، فنسحبها ونحيلها إلى دكتور معامل التجميد، لنحتفظ بها».

تعد «ريم مهنا» أول فتاة عربية تُقدم على تجميد بويضاتها قبل الزواج، عندما أعلنت، عبر مقطع نشرته بحسابها الشخصي في «فيسبوك»، خطوتها تلك. وقالت إنها حين قررت تجميد بويضاتها، وأبلغت الطبيب الخاص، دهش من القرار، وقال لها: «أنا عمري ما سمعت أن فيه واحدة في مصر طلبت هذا الطلب».

وتوضح «ريم»: «في 2001 قرأت خبرا في إحدى الصحف الإنجليزية عن ولادة الطفل الأول في لندن الذي تم إنجابه بواسطة هذه التقنية، وكانت هي العملية الـ30 في العالم، فشدني الخبر، ورحت أقرأ عن تقنية التجميد بشكل مكثف، وكنت أعلم حُرمة هذه العملية التي أعلنوها، لأنهم استخدموا بويضات امرأة، ونقلوها إلى رحم امرأة أخرى، وبعد ذلك لقحوها بالحيوانات المنوية من زوجها. لكن بعد القراءة خطر ليّ أن بإمكاننا الاستفادة من هذه التقنية بطريقة طبيعية ومتوافقة مع الشريعة، فاتخذت قراري حينها بأن أقدم على هذه الخطوة حين أبلغ عمر 35 سنة، وهي السن المثلى لتجميدها، بحسب ما قرأت. أما عن دوافع قراري، فهو مرتبط بقناعتي بعدم الارتباط قبل سن الـ30، لأنني كنت وأسرتي ندرك أنها السن المثلى لتكوّن الشخصية والنضج، وقضيت الوقت في معرفة نفسي وشخصيتي، وما يوافقها من شخصيات.

ولأنني لم أجد بعد الشخص المناسب، ولا أعرف متى سأجده، قمت بإجراء العملية في الـ35، للحفاظ على بويضاتي، كي لا تواجهني مشكلة في الإنجاب متى ما وجدته وتزوجته، لأنني لن أقدم على هذه الخطوة، وأقبل بأي رجل لمجرد اللحاق بإمكانية الإنجاب».

أما عن الحكم الشرعي في هذه الحالة، فما دام تلقيح البويضة المجمدة - قبل الزواج - بالحيوان المنوي سيتم بعد وجود عقد نكاح صحيح، فهذا جائز وفقا لما ذكرنا.

عمر البويضة

يشدد الأطباء المتخصصون على أن الأنثى في عمر العشرين حملها أفضل وأسهل من بلوغها الثلاثين، وفي الثلاثين يكون أفضل من بلوغها الأربعين وهكذا. وقد أثبت العلم أن هذا يرتبط بعمر البويضات، فالبويضات تكبر في جسم الأنثى مع الوقت شيئا فشيئا، حتى تقل فعاليتها.

في المقابل، يرى أخصائيون أن بويضات الإناث تتصنع وهن أجنة في بطون أمهاتهن، وتبدأ الأنثى خسارة عدد منها مع الوقت، وكلما تأخرت فقدت جزءا منها ومن فاعليتها، وهو ما يسمي «مصيدة تأخير الإنجاب».

تجميد البويضات

ـ طريقة تستخدم في الحفاظ على قدرة النساء على الإنجاب بالمستقبل.

ـ فيها تستخرج بويضات من مبيضي المرأة، وتجمد غير مخصبة، وتخزن لتستخدم لاحقا.

ـ يمكن إذابتها وإخصابها لاحقا بحيوان منوي في المعمل، وزرعها في رحم المرأة.

شروط شرعية لجواز تجميد البويضات

ـ أن يكون الدافع لعملية التجميد مشروعا

ـ أن يكون الدافع متوافرا وقت العملية

ـ أن تحفظ البويضة المخصبة بشكلٍ آمنٍ يمنع اختلاطها عمدا أو خطأ

ـ أن تجرى عملية التخصيب بين زوجين بدخول البويضة المخصبة في المرأة وهي لا تزال زوجةً له

ـ ألا توضع البويضة المخصبة في غير رحم صاحبة البويضة

ـ أن تشرف على تلك البويضة جهة طبية موثوقة علميا ودينيا

ـ ألا تطول فترة التجميد، تجنبا لوفاة أحد الزوجين أو حصول طلاق

ـ ضرورة التأكد من عملية الحفظ والتخزين قبل الاستخدام

ـ إصدار قانون ينظم هذه العملية

ـ وجود الضرورة لإجراء هذه التقنية

ـ أن يكون تلقيح البويضة بحيوان منوي شرعي، أي لزوجين يربطهما عقد نكاح صحيح

ـ ضرورة التزام وحدات الإخصاب والأجنة وعلاج العقم في المملكة خلال ممارستها هذا النشاط بالفتاوى الشرعية لهيئة كبار العلماء

خطوات تجميد البويضات

ـ اختبارات فحص الدم، للكشف عن مخزون المبيض، والفحص من أجل الكشف عن وجود أمراض معدية.

ـ تنبيه المبيضين وتحفيزهما لإنتاج العديد من البويضات بدلًا من البويضة الواحدة التي تتكون شهريا.

ـ استخراج البويضات، وغالبا بالتخدير العام، وهو ما يستغرق من 15 إلى 20 دقيقة.

ـ التجميد: بعد جمع البويضات يتم تبريدها لدرجة حرارة تحت الصفر، للحفاظ عليها للاستخدام المستقبلي.