في أواخر عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب صحّحت الولايات المتحدة الأمريكية الخطأ الذي ارتكبته بالتلكؤ لعدة سنوات في إعلان ميليشيات الحوثيين جماعة إرهابية، وسارعت إلى إصدار القرار وتمريره بالطرق الدستورية المتبعة عبر الكونجرس، وهو ما مثّل ضغطًا هائلًا علي الانقلابيين، وشكّل تحذيرًا جديًّا لجميع دول العالم من مغبة التعامل معهم وإمدادهم بأي من أشكال الدعم.

ولكن بعد مجيء الإدارة الحالية، ولتصفية حسابات سياسية، ولتحقيق أهداف بعيدة كل البعد عن مصالح الشعب اليمني وجميع دول المنطقة والعالم أقدم الرئيس جو بايدن على إلغاء ذلك القرار، وكأنه بذلك يمنح الضوء الأخضر للجماعة الإرهابية بالاستمرار في أعمالها المنافية للقوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية، ويسبغ عليها شرعية زائفة.

حتى الأمم المتحدة التي يفترض أن مهمتها الأساسية هي ضمان وحفظ الأمن الدولي شاركت في ذلك الإخفاق التاريخي عندما أبدت اعتراضها على التصنيف ودعت إلى إلغائه، متناسية دورها الذي أنشئت من أجله، تغليبا لمساومات سياسية بين القوى العظمى.

هذا التضارب الواضح في الموجهات العامة للسياسة الأمريكية كانت له آثار سالبة متعددة على الأمن القومي للعالم أجمع، فقد منح المتمردين مبررات الوجود، فاستغلوه أسوأ استغلال، بدليل تصعيد أعمالهم العدائية ضد الأهداف المدنية داخل اليمن وخارجها، فقد شهدنا خلال الأشهر الماضية تزايدًا في محاولات الاعتداء على المدنيين في القرى والمدن الحدودية السعودية، ومحاولات قصف المطارات والمنشآت النفطية في السعودية والإمارات، وقرصنة السفن التجارية، ناهيك عن تلغيم الممرات المائية مما يشكّل تهديدًا لحركة التجارة العالمية.

لم تمتلك الإدارة الأمريكية أي مسوغ قانوني أو منطقي يبرر ذلك الخطأ، ولكن يبدو أن دوافع الكيد السياسي واشتداد التنافس بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي صار أكثر أهمية عند صناع السياسة الأمريكية، ولو على حساب الثوابت وأولويات الأمن العالمي.

وللتأكيد على هذا التناقض الذي لا يليق بدولة تعتبر في الوقت الحالي قائدة العالم التي تمسك بخيوط صناعة القرار العالمي هو أنها وافقت، بل دعمت بشدة القرار الذي أصدره مجلس الأمن الدولي بإجماع دوله بالرقم 2216 والذي صنّف الميليشيات الحوثية في قائمة الإرهاب، ووضع قادتها على رأس المطلوبين للعدالة الدولية، وفرض حظرا مشددًا على إمدادها بالسلاح، وتوعد المخالفين بالعقوبات.

كل ذلك ضربت به واشنطن عرض الحائط، في غمرة مساجلاتها السياسية الداخلية، تغليبا لأجندتها الحزبية الضيقة، واستهانة بمصالح الشعب اليمني، وغضا للطرف عن المصالح الأمنية لدول منطقة الشرق الأوسط التي يمكن أن تحدث اضطرابات تعم العالم بأسره لو توقفت عن تصدير النفط للأسواق الدولية نتيجة لأي اضطرابات أمنية، لا قدر الله.

ولن يجد كل من لديه أبسط إلمام بالقانون الدولي صعوبة في دمغ الحوثيين بتهمة الإرهاب العالمي، فمن يستهدف المناطق السكنية في أوقات الحرب إرهابي، وكذلك من يجند الأطفال ويتخذهم وقودًا للحرب، ومن يستخدم المدنيين دروعًا بشرية، أو يرسل صواريخه لاستهداف النازحين واللاجئين، أو يحاول قصف المطارات والأعيان المدنية، أو يهدد المسارات الدولية المائية، إلى غير ذلك مما لم يتردد عملاء إيران في ارتكابه من جرائم لا يكفي المجال لحصرها.

ومن الضروري الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية وكل دول المنطقة لا تنطلق في دعوتها لتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية من مصالحها الخاصة، ولا تنتظر من أحد مد يد العون لها في سعيها لتقليم أصابع طهران، فهي قادرة تمامًا بحول الله على الدفاع عن أمنها القومي وصيانة مكتسباتها وحماية مواطنيها والمقيمين على أرضها، لكنها تطالب بذلك دفاعًا عن الشرعية اليمنية التي تمثلها حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، باعتراف الأمم المتحدة نفسها.

مؤخرًا أدركت واشنطن الخطأ الجسيم الذي ارتكبته، وتزايدت الضغوط داخل الكونجرس لإعادة الحوثيين إلى القائمة السوداء، وهي نفس الدعوات التي تتبناها العديد من الدول الأوروبية. وخلال الأيام الماضية تقدمت 90 منظمة يمنية ودولية بمذكرة للجمعية العامة للأمم المتحدة لتصنيف ميليشيا الحوثي الانقلابية جماعة إرهابية، محذرة من الخطر الحقيقي الذي يمثله نهجها على السلام في اليمن، وتهديد السلم والأمن الدوليين.

المذكرة حوت رصدًا دقيقًا لجميع جرائم الميليشيات، مؤكدة أنها قامت بتجنيد أكثر من 35 ألف طفل منذ عام 2014، واستخدمت المدارس والمستشفيات والمساجد والمطارات ثكنات عسكرية، وجعلت الموانئ مراكز انطلاق لعملياتها التي تستهدف أمن وسلامة الملاحة الدولية، وتمتلك سجلاً أسود في استهداف خطوط الملاحة الدولية وتفخيخ الزوارق ومهاجمة السفن التجارية والإنسانية وقرصنتها.

الآن حصحص الحق، واتضحت الحقيقة ناصعة أمام ساكن البيت الأبيض، بالخطأ الجسيم الذي أقدم عليه عندما رفع الحوثيين عن قائمة المنظمات الإرهابية، ولن يكفي مجرد تصحيح الخطأ، بل إن الواجب يملي عليه أن يتقدم باعتذار علني لضحايا الميليشيات الحوثية وللشعب اليمني قاطبة، وللمجتمع الدولي عامة عما تسبب فيه من مآس وآلام بتلك الخطوة غير المحسوبة، وأن يتبع قراره بإجراءات صارمة يفرض فيها قيودًا مشددة على كل من يحاول إمداد المتمردين بالسلاح أو بأي من أوجه المساعدة والدعم.

أرواح الشعوب ليست رخيصة حتى يستهان بها، ودماء اليمنيين ليست متاحة لاستخدامها ورقة في مماحكات سياسية ممجوجة لا تقدم ولا تؤخر، وأمن الشرق الأوسط ينبغي أن يكون أولوية، وسلامة الممرات المائية ضرورة حيوية للعالم أجمع، وعلى واشنطن إدراك أن أي تأخير في تصحيح خطئها، أو السماح باستمرار الوضع الحالي هو خطأ إضافي يفاقم من المشكلة ويعقد إمكانية إيجاد الحلول الكفيلة بتصحيحها وإزالة آثارها السالبة.