ويُعد التفكر من أهم صفات المؤمنين الذين وصفهم الله بأنهم يذكرون الله في كل حال ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ويتأملون في بديع صنع الله، وقدرته الفائقة، ليتعمق الإيمان لديهم، ويزداد، ويضيء حياتهم بنوره الذي لا يخبو.
من أوائل المحاولات لتأطير التأمل بإطار علمي كتب دونالد سكون عام 1983 كتابه المميز «الممارس المتأمل»، والذي أكد فيه أهمية التأمل في عمل الشخص من أجل تحسين الفعل قبل وبعد حدوثه، وفي عام 1987 دفع بكتابه «تدريب الممارس المتأمل» لينقل التأمل من دائرة الفكرة إلى دائرة التطبيق.
ويشير المتخصصون إلى أن المربين يحتاجون للتأمل أكثر من غيرهم، وذلك لكون التعليم عمل معقد وغير روتيني ويتطلب كثيراً من الجهد والوقت وقدراً كبيراً من الحكمة والاستبصار، ذلك أنه يتم في إطار سياق متعدد من المتغيرات مما يجعل مشكلاته تتسم بالغموض.
كما يشيرون أيضاً إلى أن التأمل المنتج هو الذي يتم عبر خطوات متسلسلة هي إدراك حالة الشك والحيرة، والتوصل إلى استنتاجات مبنية على اطلاع وخبرة، واختيار مسار العمل أي وضع الخطة، ومن ثم اختبار الاستنتاجات والحلول والخيارات من خلال تفكير لاحق.
وفي السياق ذاته تشير الأدبيات إلى أن من أهم تقنيات التأمل، التفكير بصوت عالٍ وبشكل مقصود مع الزملاء، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتخطيط واتخاذ القرارات، إضافة إلى الاحتفاظ بسجل للأفكار، حيث تساعد عملية التسجيل للأحداث وتحليلها على التأمل، ووضع وصف للأحداث المهمة التي يمكن التركيز عليها والتوصل لحلول للمشكلات التي تواجه المتأمل.
إننا كمربين سواء في مؤسسات التعليم أو كآباء وأمهات نحتاج إلى التأمل في ممارساتنا التربوية، ولا بد لنا من فهم «لماذا، وكيف، وماذا لو» أي تأطير أي قضية أو مشكلة تواجه أبناءنا والتأمل فيها من خلال طرح تلك الأسئلة وصياغة فروض بديلة حول كيفية التعامل مع كل مشكلة ثم الاختبار الفعلي للفروض واختيار أنسبها.
وعلى سبيل المثال لو صدر من أحد الأبناء سلوك سلبي وأردنا تطبيق استراتيجيات التأمل لإطفاء ذلك السلوك فسيتم ذلك من خلال تحديد المشكلة بدقة، وتدوين أسبابها، وطرح تساؤلات «لماذا، وكيف، وماذا لو»، لوضع افتراضات الحل واختبارها للوصول إلى الحل المناسب للمشكلة.
هذا هو التأمل المنتج الذي تشير الدراسات إلى أنه يُفضي إلى حلول للمشكلات، وانفتاحاً على الأفكار الجديدة، والمفاهيم الخلاقة، وتحسين فهم الذات والاستعداد للنقد الذاتي، وتحسين قابلية المرء للتعلم من أخطائه، والاستعداد للإقدام، وتحسين التعاون بين الممارسين.
وختاماً، إذا وجدتَ أحدهم ينظر إلى مكان بعيد، ومنفصلاً عما حوله، وسألته: وين الناس؟ فاعلم أنه يتأمل، إذا صدح بأفكار جديدة، أو كتب قصيدة، أو وصل لحل لمشكلة عويصة، وإذا لم يصل لأي نتيجة من تلك النتائج، فاعلم أنه أضاع وقته، وأن ما حصل هو الشرود الذهني، ويلزمه أن يتعلم كيف يتأمل لينجح.