كثير من الحكايات الخرافية دارت حول أولاد قحطان الذي ورد اسمه في سفر التكوين، يقطان، وجده الخامس نوح في رأي أكثر النسابين.

والعجيب أن الانتساب إلى القحطانيين لم يكن معروفا لدى الجاهليين ولم يذكره القرآن الكريم، وإنما وقع في الحماسة على نطاق ضيق، لكنه كان محور عدة حكايات نادرة اختلطت أعلامها بأعلام وردت بنصها في التوراة أو بصورة قريبة منها، كما نسج كثير من الأساطير حول أولاده كيعرب الذي غلب بقايا عــاد ووزع إخوته على الأقطار، بحيث أقر أخاه حضرموت على ما عرف باسمه، وعثمان على أرض عمان، وجرهما على الحجاز.

أما العدنانيون وهم العرب المستعربة فينتمون إلى عدنان، وكان إسماعيل بن إبراهيم جده الخامس عشر أو العشرين أو الأربعين، واشتبك أولاده وأحفاده مع القحطانيين في صراع أودى بحياة الكثيرين. وروى الرواة عنه وعما لأبيه من هجرة ورحلة وبناء وتخريب وتقديس بأنواع الرموز والشعائر والتمائم؛ ما يؤكد أن الجاهليين شحنوا مدوناتهم بالخرفات والأساطير. وربما كان بعضها بالمعينية السباية التي كانت حتى السنوات الأولى للإسلام معروفة ومتداولة، كما يقرر كل من ديتلف نيلسن وفراتز هومل، وأسقط أغلبها تحت راية القرآن لوثنيتها ومخالفتها لروح الإسلام والتقاليد الجديدة، على أننا من ناحية أخرى نقرر أن أحداً حتى اليوم لم يدرس كل النواحي الأنثروبولوجية لجزيرة العرب، أو معظمها على الأقل، وهذا في حد ذاته عقبة خطيرة تحول دوننا والتعرف على موروث الجاهليين في إطاره الحقيقي.

ولم تقدم جهود كابيرس وسليجان وشانكلين وبرترام توماس ما يمكن أن يكشف عن طبيعة التقاليد القديمة ورموزها، بل ربما انحصرت أعمال هؤلاء في طبيعة السلالة وشكل الأعضاء، ومقاييسها، فضلا عن وقوع أبحاثهم في مناطق الاتصال والامتزاج على الحدود، وكان الأولى التنقيب في قلب الجزيرة أو حيث يكون نقاء الجنس.

ومع كل ذلك فإن ما بقي لدينا في مقومات كتب التاريخ وفي كتب الأدب كبيان الجاحظ وفي كتابي التيجان والإكليل ـ وهما مجموعة حكايات عن سلالات يمانية في الغالب ـ وفي بعض الشعر الجاهلي والإسلامي، يضع أمامنا تراثا أسطوريا يستحق الدراسة الجادة.

ونلتقي فيها بالبطل الأسطوري والساحر والمارد، ونقر أعن أسجاع الكهان الدينية وعن شداد عاد المتمرد، وعن لقمان الذي خير بين بقاء سبعة بعران وسبعة أنسر، كلما هلك نسر خلف بعده آخر فاختار الأنسر. كذلك تلقانا الأصنام اللات ومناة وأورتلت والعزى وعثتر وهبل والمقة الذي ظل نحو ألف عام كبير الآلهة في اليمن.

ويرى هيرودوت أن أورتلت هو ديونيسوس الذي كان إله الشمس عند الساميين في الشمال، وإله الخصب عند الإغريق، كما أن اللات، هي أورانيا إلاهة المشتري، في حين أن عثتر هي عشتر أو عشتروت أو الزهرة.

ومن بعد هيرودوت جماعة كاسترابو جعلت أورانوس وزيوس إلهين عربيين أو ساميين جنوبيين، ولكنا نفتقد المصادر العربية التي تؤيد ذلك.

ولو كانت بقيت لدينا آداب العرب الدينية الأولى أو صلواتهم أو أغانيهم الشعبية أو وصاياهم التي كشف عن نظيرها في بابل و آشور لكان الأمر في تقييم هذه الآلهة وتصوير طقوسها شيئاً خصباً حقاً يضيف إلى تراث الإنسانية ما هي في حاجة إليه، لتستكمل كثيراً من ملامحها الضائعة.

ونعجب بعد هذا كله أن يقول أغلب الدارسين إن العرب لم يعرفوا الأساطير، ويستندون في ذلك إلى الزعم أنهم لم يكونوا من أصحاب الملكات الخلاقة التي تعتمد الخيال الواسع، مع أن مراجعة عاجلة حتى في كتاب النقائض تبين أنهم لم يكونوا ينقصهم شيء مما حفلت به أساطير الإغريق.

وما أشبه المينوطور، الحيوان الخرافي الذي كان نصفه الأسفل نصف عجل ونصفه الأعلى نصف رجل له أنياب الأسد وقد قتله ثيسيوس، والغول التي طالما عرضت في أشعار شجعان العرب وهم يقطعون الصحراء.

والأعجب أن معاجمنا اللغوية بدورها تقف عاجزة عـن إعطاء المدلولات الحقيقية لكلمتي خرافة وأسطورة، فالأساطير هي الأحاديث التي لا نظام لها، وهي جمع الجمع للسطر الذي كتبه الأولون من الأباطيل والأحاديث العجيبة، وسطر تسطيراً، ألف وأتى بالأساطير، والأسطورة الأقوال المزخرفة المنمقة.

1975*

* باحث وأكاديمي مصري» 1927- 2008"