في العصر الحديث اختلف الراعي عن نظيره في الماضي من الناحية الصحية وحداثة السن والمستوى التعليمي، ولا يتفوق الراعي القديم على الراعي الحديث إلا في الخبرة والبناء المعرفي الكبير في إدارة وممارسة المهنة بشكل جيد والدراية بجغرافية الأرض ومواسم الأمطار والربيع، فالرعاة في الفترة الحالية البعض منهم يملكون شهادات علمية، وبعضهم حاصل على الشهادة الجامعية، وهناك بعض الرعاة حديثي السن، مما يغير الصورة النمطية التي نعرفها بأن كل الرعاة غالباً ما يكونون من كبار السن، ومنهم من يقرض الشعر، وعندما تجلس معهم تجد منهم من يعرف اللغة ولديه ثقافة في مختلف العلوم.

إدارة الراعي

هناك لغة متبادلة ومفهومة ومتناغمة ما بين الراعي وغنمه عندما يمسك بزمام حماره وينطلق أمامها وتسير خلفه عدد من «المراييع» المدربة على المشي خلف الحمار عندما يتحرك والمراييع غالبا من ذكور الأغنام يعمل على تربيتها وهي صغيرة بالقرب من الحمار حتى تكبر، ويصبح بينهم ألفة ومحبة وطاعة عمياء وانسجام، فمتى ما تحرك الحمار تتحرك خلفه، ثم تتحرك الأغنام خلفها وتتبع مسيرتها، والمراييع تختلف عن بقية الغنم بضخامة أجسامها وكثافة صوفها، وهناك من الرعاة من يدللها ويضع في رقبتها أشكال من الزينة، كما يوضع في رقبتها أيضاً الجرس الذي يحدث صوتاً عندما يتحرك المرياع وتسمعه الأغنام وتتحرك خلف هذا الصوت ملبية الدعوة، كما أن هناك من الرعيان من يستعرض أمام أغنامه ويقدم بعض الحركات الاستعراضية وهذا يعبر عن بعض الحالات النفسية لبعض الرعاة وهم ينسجمون مع أغنامهم ويسلون أنفسهم في الوحدة الصحراوية.

أدوات طبخ

هناك تميز وفارق واضح في وسائل الطبخ أو أدوات المشروبات الساخنة لدى الراعي، فدائما أداوته ينالها القدم من كثرة استخدامها، وهذا ما يميزها، بخاصة إبريق الشاي الذي يكون مطلياً بالسواد ويوحي مظهره أنه خدم صاحبه طويلاً على الأغلب جراء ما يعمل به على النار ويتأثر بالدخان ولهب النار وحرارة الجمر، ومع ذلك يجد الراعي فيه متعة ولذة لا تقاوم وغالبا ما يكون السكر خارجه، وريثما ينجز الشاي أو الطعام يجد بعض الرعاة متسعاً من الوقت لكي يمارس هوايته سواء في القصائد أو الهجيني، ويستخدم الراعي قديماً حطب الصحراء من الأشجار الموجودة والتي يبس عودها أو من روث الإبل، لعدم وجود معدات ومواقد حديثة من الغاز وغيره فيبدأ في جمع ما تيسر له من الأعواد ثم يحفر حفرة في الأرض صغيرة ويضع فيها ما جمعه ويشعل ناره ويطبخ طعامه ويجهز «شاهيه» الساخن.

صيف وشتاء

ويواجه رعاة الأغنام في الصحراء قساوة المناخ في فصلي الصيف والشتاء فتجدهم يتدثرون في أثقل الملابس شتاء مثل الفروة التي تقاوم البرد والصقيع، كما يواجهون أيضاً شراسة حيوانات الصحراء المفترسة مثل الضباع والسباع والذئاب والثعالب، ويقاومونها بقوة، وقد تفترس كثيرا من أغنامهم.

شراء الضأن

ويلعب الراعي دوراً كبيراً ومهماً في رعاية الأغنام والتجول بها في الصحراء والبحث لها عن أطيب وأفضل أماكن الكلأ والماء، وكم مرة نسمع من الذين يرتادون الصحراء ويجدون رعاة أغنام ويطلبون منهم شراء بعض من الضأن والذبائح ويرفضون ذلك بحكم أنهم مؤتمنون ولا يملكون الصلاحية في عمليتي البيع والشراء، ويقوم الراعي بدور مهم خلال عملية أعلاف الأغنام من التبن والبرسيم والشعير وسقاية الماء وعلى شكل وجبات معينة حتى لا تصاب الأغنام بالشبع الزائد الذي يؤثر عليها بخاصة في الفصول التي لا يوجد فيها ربيع ومواسم أمطار، كما أنه يقوم بمتابعة صغار الماشية من الطليان ويقوم بإرضاعها لحظة ولادتها ويتابع ولادة النعاج حتى تضع مولودها، ولديه مهمة شاقة أيضاً في عملية جمع الطليان الصغار التي ترفضها أمهاتها بعد الولادة، فيبدأ في جمعها في شبك معين، ثم يبحث عن النعاج التي لا يوجد معها صغار ولديها كميات من الحليب الوفير، ويضع في مكان واحد عدداً من الأيام بقصد «ترويمها» على هذا الطلي حتى تكوبمثابة أمه وتعطف عليه وترضعه، وكذلك يقوم بإرضاع الطليان.

مشاكل الأغنام

ويقول ضيف الله القطيفان أحد أصحاب الأغنام في عرعر، والذي يتخذ منطقة العويصي لرعي أغنامه، إن دور الراعي مهم، فهو أول ما يكتشف مشاكل الأغنام الصحية وظروف رعيها وهو أقرب شخص للحلال حتى أقرب من صاحب الحلال نفسه وأدرى بها من حيث جودة الرعي والبحث عن المراعي الخصبة، لذلك يجب أن يعامل معاملة حسنة، مما يعطيه دافعية للاهتمام بالأغنام والحرص عليها، ويكتشف حالات الغنم ويسهر بالليل ويتابع مواليدها الصغار أثناء الولادة، وينتبه لمكان مبيتها هل يناسبها أو لا يناسبها فبعض الأمكنة غير صحية وقد تنقل أمراض للغنم بسبب وجود أوساخ أو أماكن جحور للثعابين أو المكان يكون فيه روث حيوانات قديما أو مكشوفا للرياح والذئاب، يتعامل معها وكأنها ملكه، ويعرفها واحدة واحدة، ورأيه مهم جداً في زيادة العلف أو نقصانه، وأضاف: الراعي يكون نومه خفيف يستيقظ وقت تحرك الغنم من مكانها وقد يهاجمه ذئب، وفي الشتاء لا يعطي للغنم ماء بارد لأنه يسبب لها مشاكل، فرأي الراعي مهم وعليه تبني أغلب قرارتك وخطتك الغذائية للأغنام، فتهميش رأي الراعي قد يسبب لك مشاكل ويفقدك المحافظة على أغنامك، وكذلك دوره في معالجة الأغنام طبياً، بعد أن يتم تدريبه.

الزبد والسمن

ومن الرعيان من يقوم بحلب الغنم واستخراج الزبد والسمن ومشتقاته، والتي تعود عليهم أو على أصحاب الماشية بالفائدة الكبيرة ويبيعونها في الأسواق الشعبية، ويحرص كثير من الناس على الحصول عليها لكي تكون وجبة رئيسية في أطباق الطعام، ومن مهمات الراعي الحديث الذي يملك وسائل الاتصال إبلاغ صاحب الماشية عن تغير الأحوال الجوية أو ضياع بعض الأغنام أو عدم وجود أعلاف أو ماء لديه.