وحيث إن الأمم والحضارات الإنسانية المتعاقبة درجت على أن يكون لها مجموعة من الأفكار الحاكمة، التي تشكل بنيان عقلها الجمعي، وتضبط المسار السلوكي للمجتمع، عبر تنشئة دينية وتربوية وثقافية مدروسة، فإنه من الطبيعي أن يكون لزعماء وقادة هذه الأمم أفكارهم الحاكمة ورؤاهم ومشروعاتهم التي يعملون على ترسيخها في مجتمعاتهم حتى تسير في وجهة محددة الغاية نحو الهدف، ولا تتخبط في اتجاهات شتى ومتضاربة.
وهذا هو حال سمو ولي العهد، فمنذ توليه حفظه الله لمنصبه، لم يأل سموه؛ وبمباركة وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله؛ جهدا في تبني الأفكار والرؤى والمشاريع والمبادرات الاستثنائية التي تعزز موقع المملكة في خارطة العالم عبر رؤية 2030 التي صاغ ملامحها وهندس تفاصيلها، ووضع محطات انطلاقها، فبدأنا اليوم نقطف ثمارها، وها هي المنجزات التي تحققت، والطموحات التي في طور التنفيذ تجسد أنموذجا فريدا لتمازج الفكرة والتخطيط مع الواقع والتحقق الفعلي، لدرجة أن من قال إن «محمد بن سلمان هو الرجل الذي يجعل الحلم حقيقة عندما يقتنع به» لم يذهب بعيدًا، حيث إن هذا هو الوصف الدقيق لقول وفعل سمو الأمير محمد حفظه الله.
فخلال سنوات قليلة نجح الأمير الشاب في أن يجعل مستقبل السعودية حديث الجميع في الداخل والخارج، وهذا ما قرأناه وسمعناه وعشناه نحن في المملكة العربية السعودية وشاهده معنا العالم أيضا؛ يوم الخميس الماضي، خلال المقابلة الشاملة لسموه مع مجلة أتلانتيك الأمريكية؛ أحد أقدم وسائل الإعلام الأمريكية؛ والتي تناقلتها مختلف وسائل الإعلام العربية والعالمية، نظرا لما حملته من مضامين ورسائل مهمة تم طرحها بكل قناعة وواقعية من قائد طموح يدرك أهمية إرث بلاده التاريخي وعلاقاتها الخارجية وركائز استقرارها ضمن نظرة مستقبلية تواكب العصر وتنطلق بمملكتنا نحو مزيد من التنمية والتطور.
وكعادته في كل أحاديثه، فقد شهدت ردود سمو ولي العهد، حفظه الله، خلال هذا الحوار المطول أصداء إقليمية وعالمية، حيث جاء حديث سموه مجسدًا لإصرار وطموح لا حدود له، ورؤية تنموية متفردة، ونظرة ثاقبة حكيمة للمتغيرات الإقليمية والدولية، كما عكست كلماته مجموعة من السمات التي يتحلى بها سموه، في مقدمتها شخصيته الكاريزمية، التي جعلته قائدًا مُلهِمًا، يتطلع إليه أبناء الوطن بثقة في حكمته وفخرا بطموحه.
وبفكر واعد سبق العصر، وحماس شبابي انطوى حديث ولي العهد على تشخيص صريح وشامل للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وكيفية البناء على مكامن القوة ومعالجة التحديات بحكمة ودراية بآليات التغيير الإيجابي، فقد طالعنا سموه بالحديث عن العديد من القضايا التي تتعلق بالسياسة الخارجية والداخلية للمملكة ورؤيته تجاه الدين والاقتصاد والحكم، وغيرها من الموضوعات والجوانب ذات الصلة بتطور المجتمع السعودي.
ولعل من أبرز ما لفت انتباهي في هذه المقابلة فيما يتعلق بالشأن الداخلي، حديث سموه حول إبراز تفرُّد واستقلالية نموذج التطور الحالي في المملكة، والذي يرتكز إلى شعبها وتاريخها، وما لديها من مقومات اقتصادية وثقافية، والإشارة إلى أن التطور الاجتماعي في المملكة يسير بالاتجاه الصحيح، وفق معايير الشعب ومعتقداته وخصوصيته، والتشديد على عدم التسامح في المعركة ضد الفساد مع أي متجاوز، بجانب رفض التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة، وكذلك تأكيد التلاحم بين الأسرة المالكة السعودية والشعب.
أما فيما يخص حديث سموه عن سياسة المملكة الخارجية، فقد أشعرنا بالفخر والاعتزاز، نظرا لما حملته كلماته من فلسفة خاصة تُدرَّس للأجيال القادمة، تقوم على تحقيق مصلحة السعودية مع الدول والمجتمعات الأخرى، وهنا تحدث سموه عن رغبة المملكة في تعزيز العلاقة مع واشنطن بالنظر للمصالح المشتركة، وكذلك تركيز السعودية وقطر على بناء مستقبل رائع، فضلاً عن الحديث عن إيران بوصفها دولة جارة للأبد مع التشديد على رفض امتلاكها قنبلة نووية، أو إبرام اتفاق نووي ضعيف، يُفضي إلى النتيجة ذاتها، فالعلاقة دون مصالح كما كان في الأزمنة السابقة -بلا شك- لن يكون مجددًا على طاولة السعوديين في المستقبل، وهي رسالة واضحة من سموه للجميع، ارتسمت من خلالها أهم مبادئ العلاقات الدولية، وهي «أينما تكون مصلحة السعودية ستجدني هناك ودون تردد».
محمد بن سلمان بن عبدالعزيز لم يخيّب الظن به، فهو أمل هذه البلاد بفكره الملهم والمستنير والمتوقد الذي لامس أغلب جوانب حياة المواطن السعودي، وساهم في رفع جودة الحياة في السعودية، فهو بصدق يخاطب العقل بمنطق الواثق بأن الأوطان تُبنى بالعمل والإنجاز واستشراف المستقبل، ولذلك فهو يواصل الليل والنهار بلا كلل ولا ملل لرفعة هذا الوطن، وأن يكون في مقدمة دول المنطقة والعالم، فاللهم وفق ولي عهدنا لما تحب وترضى.