الإعلام يعني التأثير، وإمكانية تقوية وسائله، تكون ضمن إستراتيجية صاحب القرار الذي يعي تمامًا أنَّ قوة الإعلام تساند قوة الدولة في قراراتها، والتفاف شعبها المستحق حول قادته، بما يمثله من قوة تأثير.

لذلك تعد المنصات الإعلامية، والحديثة خصوصًا، الوسيلة الأسرع في التأثير على المجموعة البشرية، لسرعة وصول المعلومة من خلالها، لذلك عملت المملكة العربية السعودية، على تأسيس مركز الحرب الفكرية، لمواجهة الأفكار بالأفكار، باستخدام الوسائط الإعلامية المركزة، ومنصات التواصل الاجتماعي لمزيد من إحداث التأثير، وتوصيل الأفكار الإيجابية، ومواجهة الهدامة منها، هذا على سبيل المثال، لا الحصر.

ونظرًا لأهمية المحتوى، ولأنَّ ليس كل إعلامي قادر على هذه الصناعة، بمفرداتها الاحترافية، ازدهرت مؤخرًا مهنة «صانع المحتوى»، بمختلف الوسائط، لإحداث المزيد من التأثير، بمحتوى احترافي، يعي جيدًا أهمية ما يبثه، وأهدافه، ونتائجه، وفق خططه المدروسة.

لكن المشكلة في إعلامنا، أنه يحتاج عملية استئصال الضعف الذي لا يواكب الحدث، فما بين إعلام رسمي، وإعلام رقمي غير متناغم، تكمن المشكلة، أن بعض الإعلام الرسمي لا يروي عطش المتلقي، وبثغرات كثيرة، يتسلل عبرها سوس الإعلام المعادي، لينخر في عصب الإنجازات، أو لنقول يقطع أحبال إعلامنا الصوتية، فيضعف صوتها.

أما الرقمي، فمشكلته الرئيسة أن كل جهة تعمل منفردة، أقصد الصحة، التعليم، الترجمة، القطاعات الخاصة، كلها موجودة، وتعمل بقوة لكن لا يوجد وعاء واحد يجمع منجزاتها، لذلك نرى أن إبداع جهودها لا يتعدى حدودا ضيقة، بالرغم من وجود المحتوى القوي الذي يمكن أن يعبر عنها، ويحدث تأثيره الإيجابي.

نستثني من كل هذا 4 قطاعات فقط، هي (السياحة)، و(الترفيه)، و(الصحة)، والتعليم، حيث أبدعت هذه القطاعات في تدشين إعلام قوي، ينقل لحظيًا المنجزات السعودية، إذ استطاع قطاعا السياحة والترفيه استقطاب الكثير من خارج المملكة؛ لأنَّ لدى القطاعين إعلام قوي، وأبدع كل منهما في نشر محتواه على نطاق واسع، مما زاد عدد الزائرين من خارج المملكة لفعاليتهما، فكلا القطاعين حرصا على أن يكون لجهودهما الإعلامية قيمة مضافة من خلال إلقاء الضوء على الفعاليات الترفيهية والأماكن السياحية الجاذبة، أما فيما يتعلق بالقطاع الصحي والتعليمي فخلال جائحة كورونا، أجاد وتميز في شحذ همتهما إعلاميًا، ليرى العالم كله كيف تعاملت السعودية باحترافية مشهودة لحماية كل من على أراضيها من مواطن ومقيم من جائحة هددت العالم أجمع، فكان القطاع الصحي بما بذله من جهد إعلامي كبير، متفوقًا على نظرائه في العالم أجمع، بإلقاء الضوء على تعامل الدولة لمواجهة الوباء، أما إنجازات التعليم فكانت من خلال تفعيل نظام الدراسة عن بعد التي أصبحت نموذجًا يحتذى به رغم أنها لم تكن مفعلة قبل الجائحة..

وكل هذا ما كان ليظهر على المشهد العالمي لو لم تعمل هذه القطاعات باحترافية إعلامية ليست من اختصاصها ولكنها أدركت أهميتها فعملت عليها بجهد جبار لتكون المرايا التي تعكس وهج جهودها.

معوقات الإعلام كثيرة والحل قد يكون في خطوات مهمة، ينبغي أن تكون ملزمة لكل القطاعات حتى يتحقق لنا إعلام قوي مواكب لمنجزات المملكة، في مختلف المجالات، وأولى هذه الخطوات، تنسيق ملزم يدمج الإعلام الرسمي بالخاص، والإعلام الجديد، بمحتوى متنوع، فالحياة ليست قائمة على برامج مسابقات غنائية أو أي نوع من المسابقات، أو الدراما التي لا تمثل الواقع السعودي، أو برامج تركز على الفن وأهله فقط، إذ يكمن الحل في وجوب تقسيم الكعكة الإعلامية إلى قطع ترضي احتياجات الوطن والمجتمع، وتجمع بين المحتوى الترفيهي والجاد الذي يعزز أهداف (رؤية المملكة 2030)، ويكون وقودًا للكبار والصغار لتعزيز قيمنا وشحذ الطاقات.

وثاني الخطوات المقترحة للحل، الإنفاق بسخاء على الصحف التي تحتضر، حتى مع تحولها للإعلام الجديد، لتعود للكاتب وجاهته، بعد أن نزل من علو المكافآت إلى الكتابة المجانية، وتحول من الكاتب المستفيد ماديًّا ومعنويًّا، إلى كاتب مستفيد معنويًّا فقط، فكانت كتاباته ليس أكثر من حشو لملء فراغات تحتاجها الصحف، ويحتاجها الكاتب ليتمسك بمكانته، عبر كتابة مقالات أو حوارات ذاتية بعيدة كل البعد عن وظيفة المقال وقوة تأثيرها في المشهد الإعلامي، فصحافة الرأي لها أهمية كبرى في عالم التأثير الإعلامي، لكن ضعف المردود المادي على الكاتب، أصاب عقله بالترهل، والشعور بانعدام الجدوى من كلماته.

وثالث الخطوات تكمن في دعم دور النشر وكتابها، والاهتمام بترجمة ما يستحق من إصدارات الكتاب والكاتبات السعوديين، ليصل الكاتب أو المثقف السعودي إلى العالمية التي من خلالها ينشر ثقافة وطن، ليصل اسم المثقف السعودي على خارطة الأدب والنشر العالمي.

ورابع الخطوات، التعمق في دهاليز الإعلام الجديد بلغات عدة، ليكون سفيرنا الإعلامي وصوت إنجازاتنا المسموع داخل شعبوية سكان هذا النوع من الإعلام فنحن بحاجة إلى شعبوية إعلامية تنتشر في العالم كله، بين سكان العالم الجديد من مختلف الفئات، إعلام سعودي يصل إلى كل ثقافات المجتمع، ليس هذا فقط، بل نريد إعلامًا يكون مرجعًا عربيًا شاملاً، بإنجازات سعودية حاضرة على أرض الواقع، واستشراف مستقبل واعد تدعمه الرؤية، وشفافية الطرح، للوصول إلى موثوقية المتلقي في بقاع الأرض في إعلامنا الرائد الذي بالتأكيد يستحق بذل المزيد من الجهد، خصوصًا في هذا السباق المحموم نحو امتلاك الفضاء الإلكتروني للسيطرة على سكانه.